بقلم  فيفيان سمير

 
اعتادت الجلوس كل صباح بمقهى صغير بجوار مقر عملها، تأخذ قهوتها وتراجع بعض الاوراق قبل بدء يومها، عادة ما يكون المكان مزدحما جدا بالعابرين والجالسين، هي تحاول التركيز في عملها لا يلفت نظرها أحد، روتين يومي لا يكاد يتغير. 
 
اليوم تشعر بشيء مختلف، فذاك الجالس على المنضدة المواجهة لها لا يرفع عينيه عنها، مهما حاولت تفادى نظراته، تحاصرها، ترقبها بإصرار مما أثار غضبها وضيقها، وقفت وبدأت تجمع اشياءها لتغادر المكان، وفجأة توقفت، انه يتجه ناحيتها ويجلس بهدوء أمامها، يا لوقاحته كيف تجرأ، كيف يتجاوز كل الحدود ويقتحم خصوصيتها بهذه البساطة، فتحت فمها لتكيل له السباب وتعطيه درسا في الاخلاق، لكن تعثرت الكلمات على شفتيها، الجمها ما فعل، أنه يغمس أصبعه بفنجان قهوتها ويرفع الفنجان يرتشف منه ويقدمه لها لتشرب وهى ذاهله لا تتكلم او تتحرك. 
 
في زاوية بعيدة من ذاكرتها يقبع ذلك الصبى ذو الوجه البريء، المتفجر حيوية وشقاوة ومرح، الذى تبدو عليه كل سمات الرجولة رغم ان سنه لم يتجاوز الثانية عشر، كان ظلها وحامى ظهرها في المدرسة والنادي وحتى في البيت، فوالديه ووالديها اصدقاء عمر، يقضون الأعياد والإجازات ومعظم أوقاتهم معا، يطل عليها من نافذة الذكريات من وقت لأخر، مشاغبا كعادته، في زهرة اعتاد ان يقطفها ويقدمها لها كل صباح او قطعة حلوى كان يقتسمها معها مبتسما سعيدا، ودائما مع كل فنجان قهوة حيث كان يغمس اصبعه الصغير ليتذوقها، ويختلس رشفات من فنجان والده او والدته حين يكونوا في زيارتهم . 
 
مر على فراقهم بعد سفره مع والديه خمسة عشر سنة، لم تمحوا من ذاكرتها رفيق الطفولة وفجر الصبا، الذي تشتاق له وتحن للحظات السعادة معه، ولا تعرف اين هو الان او ماذا يفعل. 
 
جلست في مقعدها صامتة، وعينيها مركزتين على فنجان القهوة الذي مازال في يده الممدودة لها، يا إلهي أيكون هو؟ أتتحقق الأحلام بهذه السهولة؟ ام أنها مجرد مصادفة ان يكون هذا الغريب له نفس الهواية، أخرج قطعة حلوى، تعرفها جيدا، اقتسمها وناولها نصفها، عند هذا الحد لم تستطع السكوت، هتفت باسمه بانفعال وفرح يشوبه الشك، فاتسعت ابتسامته واضاءت طريقا عبر بهما السنين، في لحظة عادا الإثنين اطفالا ضحكهما يملأ المكان الذي اتسع وخلى إلا منهما رغم الازدحام.