بقلم : محمد حسين يونس 

قفزت الطبقة الوسطي المصرية عن بكرة أبيها تهتف وترقص وتغني للضباط الاحرار الذين إنقلبوا علي مولانا الملك المعظم فاروق الاول ملك مصر والسودان .

( فهل نجح ممثلي هذه الطبقة في قيادة الأمة ) سؤال  سأجيب علية من خلال ثلاث أو أربع حوارات تالية . 

 1952  كانوا في اوروبا وامريكا و الاتحاد السوفيتي قد غسلوا أيديهم من حرب مات فيها 50 مليون بشرى منذ سبع سنوات (لا تزيد) وبدأ كل طرف يستعد لدور عالمي جديد .

وكانت الطبقة الوسطي الصاعدة في مصر قد إستكملت كل أستعداداتها من خلال ثورة إجتماعية وثقافية الحقتها ( اى الطبقة ) بركب المتحضرين، 

كما انها كانت قد إنتهت من تهميش دورشركاء النضال سواء من قيادات الفلاحين المؤيدين أو من رجال الاعمال، وأصبحت ترغب في تولي أمر نفسها وبلدها مزيحة لسيطرة الحلف غير المقدس بين (الانجليز محتلي منطقة قناة السويس والملك حفيد محمد علي والباشاوات كبار ملاك الاراضي ) 

فإنقلب البكباشية من صغار الضباط علي قادتهم وعمت الافراح الوادى.

كانت مصر في ذلك الوقت تنقسم الي فسطاطين أحدهما يسكنة من يمتلك الثروة والجاه والنفوذ والالقاب والبرلمان بشقيه (النواب والشيوخ) ويلبس الردينجوت والاسموكينج ويتكلم التركية او الانجليزية.. 

وفي مواجهته شعب لم تزل علامات كرباج السخرة واضحة علي جلده، جائع، جاهل، تفتك به الانكلستوما و البلهارسيا و الرمد وامراض سوء التغذية حافي لا يرتدى حذاءً، يساق للعمل في تراحيل ولا توجد لديه أية حقوق ومع ذلك يحمد المولي ويحرص علي أداء الفروض وزيارة بيوت الاولياء حيث يجود هناك بملاليمه عندما يطلب العون منها أو عندما يحتفل في زفة مولدها.

وكان بينهما شريحة من أبناء الطبقة الوسطي تنظر لأعلي بإعجاب وشبق و تمني ولأسفل بحزن عميق متدثر بفلسفة تعلمتها حديثا وخوف من السقوط 

أبناء الطبقة الوسطي في أغلبهم كانوا من أصول ريفية (يحملون كل أمراض الريف) بعد أن استطاع أهلهم توفير فرص تعليمهم فحصلوا علي مؤهلات تسمح لهم بأن يشغلوا وظائف عامة كضباط و قضاة ومهندسين وأطباء وصحفيين ورجال أعمال وكتبة ويعيشون (هكذا ) في المدينة 

أو كانوا من رؤساء العمال أو صغار التجار والحرفيين والمدرسين أو إجمالا من الذين ليسوا من كبار الملاك أومن القابضين علي مفاتيح الحياة الاقتصادية وفي نفس الوقت لم يكونوا (ايضا) من المعدمين المعتمدين علي إيرادات الترحيلة .

عندما دفعت الطبقة بوجوه شابة جديدة للحكم وضعت في سلة التكليف بجوار الامنيات الطيبة مشاكل وتناقضات عديدة أيضا .. أهمها التغلب علي ذلك الفارق الحضارى بين أهل الريف (من الآباء و الاجداد ) و أهل المدن )المطعمون بالاجانب واليهود

( ..التغلب علي الانفصام بين ما يتعلمه ابناء الريف في الكتاتيب و مدارس الازهر الدينية و بين ما يتعلمه ابناء الحضر في الليسيه و الانجليش سكوول و فيكتوريا كولدج ومدرسة فاروق الاول الثانوية .. 

بين ما يتناوله الفقير بالمدينة بسهولة إذا جاع سندوتش فول او طعمية او رغيف ابيض وبيضة مسلوقة.. وما يتناوله الريفي بجهد فعليه النهوض كل صباح مبكرا من أجل اللحاق بالحلب والخبيز .. 

الكهرباء في المدينة ولمبة الجاز في الريف، المياة النظيفة في المدينة و الطلمبة الحبشي في الريف، الشوارع المسفلته في المدينة والدروب الترابية في الريف، الامن المستقر في المدينة وشيخ الغفر الحرامي في الريف .. الدعاة المتعلمون في جوامع المدينة و كسر الفقهاء في زاوية او مصلية القرية.. النظافة في المدينة والذباب والناموس وباقي الحشرات والقوارض في الريف .

.لذلك كان أول قرارات المنقلبون الذين مازالت أحذيتهم متربة بتراب جرن الوالد .. تدمير منظومة الزراعة  القائمة منتقمين من كبار الملاك بتأميم الارض و تحديد الملكية و توزيع فدادين خمسة علي المعدمين وتوسيع مساحة الطبقة المتوسطه الريفية مع السيطرة عليها بواسطة زبانية الجمعيات التعاونية ...

 

ولكن الذى حدث كان شيء اخر لقد نزح أهل الريف هربا من الجوع وقلة الخدمات الي المدينة وعاشوا حولها في عشوائيات يغزونها كل صباح منتشرين في طرقاتها بحثا عن اى عمل وباى اجر ناشرين معهم أسلوب حياتهم في شوارعها و حول مرافقها أو بمعني أخر ( أريفة) المدينة بدلا من( تمدين ) الريف (( نكمل حديثنا غدا ).