د.ماجد عزت إسرائيل

    منذ أن بدأ السيد المسيح الخدمة ونشر تعاليم المسيحية سعى إلى تأسيس كنيسته على صخرة الإيمان، ففي يوما ما قبل الصليب بقليل سأل المسيح تلاميذه: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فاتفق التلاميذ بلسان بطرس على صيغة موحدة للعقيدة فيمن هو المسيح،وكان مضمونها رائعاً حقاُ وموافقاً للإيمان الصحيح بل وملهماً من الله مباشرة، بشهادة المسيح على ذلك: فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا"  هنا السيد المسيح يريد كنيسة ذات مبادئ وإيمان وعقيدة ورب واحدة، أي كنيسة واحدة يكون جوهرها الحب الإلهي . 

 
   على أية حال توج تأسسيس هذه الكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية في مدينة أورشليم (القدس)يوم الخمسين في عام (34م)، حيث ورد في سفر أعمال الرسل قائلًا:" وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدؤوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا صَارَ هذَا الصَّوْتُ، اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ. فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: "أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا؟ فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلاَمِيُّونَ، وَالسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، وَالْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّاوَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ، وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ الَّتِي نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ، وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلاَءُ، كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ، نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ" .
 
   وكان أهم يميز تلك الكنيسة أنها كانت بنفس واحدة لا شِقاق ولا إنقسام ولاصراعات.كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: "وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ". الكنيسة التى يريدها المسيح لأبد وأن تكون وحدةً واحدة على مستوى إلهي، كنتيجة حتمية لاتِّحاد الإنسان بالله، أي نتيجة لوصية الله الأولى: ”تحب الرب إلهك من كلِّ قلبك، ومن كلِّ نفسك، ومن كلِّ فكرك؛ ثم الوصية الثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك“. فالوصية الثانية قائمة على الأولى، وبدونها لا تساوي شيئاً. يقول الأب متى المسكين: ”الطريق الموصِّل إلى الاتحاد بالله ليس طريقاً مُفرداً، أي ينتهي عند الله وحسب؛ بل يعود وينحدر إلى القريب وإلى الغريب وإلى العدو وإلى كل الخليقة. والذي يتَّحد بالله يلزم في الحال أن ينظر كيف يتَّحد بالكلِّ ولا يهدأ حتى يكمل هذا الاتحاد“.     
 
    وقد ظلت الكنيسة التي أرسى قواعدها السيد المسيح وتلاميذه ورسله وحده واحده على مستوى العالم يسودها السلام والسكينة، حيث كانت أعيادها واحتفالاتها بالقديسين الأولين في وقت وتوقيت واحد. ومن سماتها واحدة وحيدة مقدسة جامعة رسولية. ومن أجل الحفاظ على وحدتها عقدت المجامع لحل مشاكلها العقائدية واللاهوتية، وإصدارت الأحكام والقوانين لتنظيم هيئاتها، وسلوك جماعة المؤمنين بها؛ فمجمع نيقية عام325م سن20 قانوناٌ، ومجمع القسطنطينية عام 381م سن 7 قوانين، ومجمع أفسس عام431م سن 8 قوانين. وكانت الكنيسة القبطية وآبائها تحتل مكانة متميزة بين جميع كنائس العالم حتى أعمال مجمع خلقيدونية451م المشئوم،التي رفضته الكنيسة القبطية ولم تقبل مقرراته.وربما منذ هذا المجمع أعتبرت الكنائس الغير خلقيدونية ومن سار على نهجهم هراطقة وخارجين عن المسيحية.