عاطف بشاي
فى خضم ذلك المناخ التكفيرى الذى أشاعه الظلاميون بفتاواهم السامة.. وتمكنوا فيه من السيطرة على عقول وسلوك الكثير من عامة الناس فى بلادنا.. خاصة فى نظرتهم المتدنية إلى المرأة.. أعاود قراءة الكتاب المهم «دوائر الخوف.. قراءة فى خطاب المرأة» للمفكر الراحل «د. نصر حامد أبوزيد».. ذلك الخطاب الذى يراه فى مجمله خطاباً عنصرياً طائفياً.. بمعنى أنه يتحدث من منطلق المرأة/ الأنثى.. ويضعها فى علاقة مقارنة مع منطلق الرجل/ الذكر.. واستناداً إلى هذا التوجه فى التفكير الذى يحدد العلاقة بين الطرفين باعتبارهما جنسين مختلفين ومتعارضين تعارضاً كاملاً.. ربما منذ بداية الخليقة.. وبناء عليه لابد من خضوع أحدهما للآخر واستسلامه له ودخوله طائعاً فى منطقة نفوذه وسيطرته.. ومن شأن الطرف الذى يتصور نفسه مهيمناً أن ينتج خطاباً طائفياً عنصرياً بكل معانى هذه الصفات ودلالاتها المختلفة (نموذج السيد أحمد عبدالجواد) الجبار فى ثلاثية «نجيب محفوظ» الشهيرة «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية» حيث يفرض مهابته كسيد مطاع على زوجته «أمينة»..

لذلك فمن المستحيل أن يعرف هذا الخطاب أى درجة من درجات المساواة أو المشاركة بل يمثل تفوقاً نابعاً من مركزية الرجل/ الذكر.. أى أنه فى كل الأحوال يصبح الرجل مركز الحركة وبؤرة الفاعلية.. ويبدو كأنما هو قدر ميتافيزيقى لا فكاك منه.. وكأن مرحلة سيادة الأنثى فى بعض المجتمعات الإنسانية وكأن كل فاعلية للمرأة فى الحياه الاجتماعية والثقافية والسياسية فاعلية هامشية لا تكتسب قيمتها إلا من خلال فاعلية الرجل..

وفى ظل عصور التراجع الحضارى يتم ازدراء المرأة التى تتحول إلى كائن مثير للشهوة محرك للغرائز باعث على الفتنة.. عورة من رأسها حتى أخمص قدميها.. لذلك فإنه حينما تبرز صورة مخالفة للمرأة التى لا تستجيب إلى فتاوى المزدرين ولا تقنع بالعودة إلى البيت لا تبارحه إلا للقبر وتصبح وظيفتها الأساسية الاستجابة لقهر الزوج وإشباع رغباته الجنسية وتتفرغ لأن تكون وعاء للإنجاب..

أقول إن المرأة المخالفة تضىء شمعة وسط مناخ يسعى فيه الاجتياح الوهابى للعقول إلى تراجع حضارى وإنسانى..

لذلك فقد أسعدنى نموذج تلك الفتاة – التى لم تحتف بها وسائل الإعلام احتفاء كافياً – والتى استلفتنى حديث الكاتب الصحفى القدير «ياسر أيوب» عنها فى عموده فى المصرى اليوم..

إنها «فايزة حيدر» التى حققت إنجازاً رائعاً فى مجال كرة القدم تفردت فيه بصفتها أول امرأة تتولى تدريب فريق رجالى فأصبحت مثار اهتمام وحديث إعلام العالم الكروى وصحافته ومواقعه ووكالات الأنباء العالمية.. وسرد الكاتب مظاهر هذا الاهتمام فأورد أن مجلة «فرانس فوتبول» نشرت أن فايزة أصبحت هى أول امرأة تتمرد على سيطرة واستحواذ الرجال لكرة القدم فى مصر فى مجال التدريب ونجحت فى مواجهة سخرية وتهكم اللاعبين الذين تقوم بتدريبهم وأجبرتهم على احترامها وتقديرها والإشادة بها..

وجدير بالذكر طبعاً أن دورها كمدربة هو دور قيادى وبالتالى فهو يضعها فى موقع عكسى هو موقع السيادة ويفرض على اللاعبين من الرجال الطاعة وتنفيذ التعليمات والأوامر.. ولها صلاحية فرض التشكيل للمباريات والثواب والعقاب..

و«فايزة» خاضت مشوارها مع الكرة فى نادى «حلوان» وما لبثت أن صارت فى وقت قياسى إحدى نجمات منتخب «مصر» للكرة النسائية وشاركت مع المنتخب فى بطولة إفريقيا ودورتى الألعاب العربية والإفريقية واحترفت فى أندية الإمارات.. وبعد اعتزالها اتجهت إلى التدريب ومنذ عام 2018 اعتمدت كمدربة من الاتحاد الإنجليزى، وبالتأكيد فقد نشأت فى أسرة مستنيرة لم يقل لها عائلها «أنت عورة».. فشرفتهم كما شرفت مصر.

Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم