بقلم : نجيب محفوظ نجيب .
كانت دموعهم تسيل ... و نظرات عيونهم شاخصة تتأمل وجهى فى حزن و ألم ... فربما تكون هذه هى آخر مرة يرون فيها وجهى ... أشعر بهم ... أراهم ... و أسمعهم ... و لكن يبدو حقا أن الروح تستعد للرحيل ...
 
لم يتملكنى الخوف و لو للحظات ... كنت دائما واثقا أنه لابد و أن يأتى ... قد يأتى مبكرا ... أو قد يتأخر ... و لكنه حتما سوف يأتى ...
 
لم يحدث أن تساءلت يوما : " متى سيأتى ؟ "... ليس لأننى أعرف الأجابة ... فما من أحد يعرف الأجابة ... و لكن يبدو أننى فكرت فيه فيه كثيرا ... لدرجة أنه لم يخطر ببالى أن أطرح هذا السؤال ...
 
سألنى أحد الأصدقاء : " لماذا تفكر فيه و تتركه يحتل مساحة كبيرة من تفكيرك ؟! ... فأنا لم أر فى حياتى إنسان مثلك يهتم بالموت إلى درجة أنه يفقد معه شعوره بالحياة "... قلت له : " عندما أتأمل و أفكر فى الموت ... أدرك و أعرف معنى و قيمة الحياة ..." .
 
كان هذا رأى دائما فى الحياة و الموت ... فمن كان يسألنى عن معنى الحياة...كنت أقول له : " كيف تعرف معنى الحياة ... و أنت لا تعرف عن الموت سوى أسمه ... فلكى تكون للحياة معنى و قيمة ... لابد و أن تتأمل و تفكر فيما وراء الموت ... " .
 
أما الآن فقد حان للروح أن ترحل و تفارق الجسد ... كان تفكيرى متعلقا بحلم طالما حلمت به ... أن أرى وجهه .... فصرت أبحث عن وجهه فى وجوه من حولى من أقارب و أصدقاء ... و لكننى لا أجده ... فهو ليس ههنا ... فكيف لى أن أودع الحياة ... دون أن أرى وجهه...فهو الحلم الوحيد الذى كان دائما يسكن قلبى و فكرى ...
 
لكن يبدو أنه سمع نداء صمتى ... و أستجاب لهمس قلبى ... فها هو يأتى إلى فى نور عجيب ... ووجهه منير كالشمس ... لا أستطيع أن أنظر اليه ... لا أستطيع أن أصفه ... " أنه حقا أبرع جمالا من بنى البشر ... أنه حقا شمس البرالتى تشرق و الشفاء فى أجنحتها ... "
 
نعم أنه المسيح جاء ليبعث فى الروح من جديد ... جاء ليشفى جراحى ... و يزيل عنى آلامى ...
 
و الآن و بعد أن سكنت روحى فى جسدى ... و بعد أن تأملت و عرفت معنى الحياة ...
 
لا أستطيع سوى أن أقول : " أين شوكتك يا موت ؟! ... أين غلبتك يا هاوية ؟! ... " .