- 407 347
مقدمة :

إعداد /ماجد كامل -
من بين كل آباء الكنيسة الكبار خلال القرون الخمسة الأولي يقف القديس يوحنا ذهبي الفم
( 347- 407 ) في المقدمة نظرا لما يتميز به من بلاغة وفصاحة حتي لقب ب"ذهبي الفم" ولقد قيل عن ليباينوس "أعظم خطباء الوثنية" أثناء إحتضاره أن ألتف حوله تلاميذه يسألونه عمن يصلح لكي يخلفه فقال "يوحنا لو لم يسلبه منا المسيحيون " وفي هذا المقال سوف نعرض لحياته ؛ومنهجه الانجيلي والوعظي ؛وسمات الخادم عند ذهبي الفم ؛ وأخيرا دور العلمانيون في الكنيسة .

أولا :- حياته :-
ولد عام 347 من أم مسيحية تقية تدعي "أنثوسا " أجتهدت في تثقيف عقله بالعلوم والمعارف فنبغ فيها نبوغا عظيما وخصوصا علوم البلاغة والخطابة مما رشحه لمهنة المحاماة وجذبته في البداية حياة الملاهي ولكن تعاليم أمه ظلت حية في داخله إلي أن أرسل الله اليه صديقه القديس باسيليوس الذي أخذ يميل قلبه نحومحبة الله ودراسة الكتاب المقدس حتي ترك المحاماة وتعمد وصارمسيحيا وعمره حوالي 23 عاما . وبعد فترة صار شماسا فأشتاقت نفسه لحياة الرهبنة لكن نحيب أمه المستمر منعه من تنفيذ ذلك ؛ فأطاع يوحنا والدته وحول بيته إلي قلاية يعيش فيها ؛ وبعد وفاة أمه صار راهبا لمدة 4 سنوات ؛ وأشتاقت نفسه إلي حياة الوحدة ولكن ظروفه الصحية منعته من تنفيذ ذلك ؛ فعاد إلي أنطاكية مرة أخري ورسم شماسا ثم قسا ؛وأخذ يعظ كل يوم أحد ؛ وبعد وفاة أسقف القسطنينية قام الأمبراطور اركاديوس بترشيح يوحنا كاهن أنطاكية أسقفا للقسطنينية وحظي بإجماع الأراء وتمت رسامته أسقفا للقسطنينية


أعماله في الأسقفية :-
1- رعاية الفقراء
2- أهتمامه بالعذاري والأرامل وحثهن علي العمل لكسب قوتهن من جهة ؛ وليحفظهن من الفتور والضعف الروحي من جهة أخري
3- حاول تقويم بعض الكهنة الذين اشتهروا بالبذخ والتقرب إلي الامبراطور فأصطدم بالبعض منهم
4-أوقف الولائم المستمرة لرجال الامبراطور لأن الفقراء أولي بمثل هذه الولائم مما أثار غضب الكثيرمن الكهنة بحجة ان هذه الولائم من واجبات الكرم والضيافة

صدامه مع الأمبراطورة :_
أصطدم القديس ذهبي الفم مع الإمبراطورة "اوذكسيا " أكثر من مرة ؛ فلقد أغتصبت الإمبراطورة ثمن حقل من أحدي الأرامل فلجأت إلي القديس يوحنا ذهبي الفم تطلب منه إنصافها فطلب القديس من الإمبراطورة رد ثمن الحقل فلم تستجب له ؛ وعاد فأرسل إليها رسلا فأزدادت عنادا ؛ وفي يوم عيد الصليب وكانت الإمبراطورة تستعد لدخول الكنيسة؛ فأمر القديس ذهبي الفم بإغلاق باب الكنيسة في وجهها ومنعها من الدخول ؛إستشاطت الإمبراطورة غضبا فأمرت أحد الحراس بكسر باب الكنيسة ؛ وما أن رفع أحد الجنود يده حتي يبست في الحال .فأرتعب الحاضرون خوفا ؛ فعادت الإمبراطورة إلي القصر تهدد وتتوعد ؛ وبعد القداس قام القديس ذهبي الفم برش يد الجندي بالماء المقدس فعادت سليمة كما كانت ؛ إما الإمبراطورة فلقد طلبت من زوجها الإمبراطور الإنتقام لكرامتها وجائتها الفرصة مع ظهور مشكلة الأخوة الطوال .


القديس يوحنا ذهبي الفم ومشكلة الأخوة الطوال :-
الاخوة الطوال هم الانبا امونيوس اب جبل نتريا وأخوته الثلاثة ؛أعتنقوا الفكر الأوريجاني ؛ وفي هذه الفترة ثارت معركة كبري بين رهبان جبل نتريا ورهبان جبل شيهيت ؛ فلقد سقطوا في بدعة تشبيه الله بشكل إنسان Anthroponoplism ؛ وجاءت الرسالة الفصحية للبابا ثيؤفيلس تقول انه لا يجوز ان نفكر في الله بطريقة جسمانية مادية . فأثارت غضب رهبان البرية بشدة ؛ فذهبوا إلي البابا ثيؤفيلس في الإسكندرية مهددين ومتوعدين بقتل البطريرك فقابلهم البابا وقال لهم "عندما أراكم كأني أري وجه الله "فهدأت ثورة الرهبان و

طلبوا منه حرم كتابات وتعاليم اوريجاونس مما أثار غضب الأخوة الطوال .فقام البابا بحرمهم وطردهم من الدير .فهربوا أولا إلي أورشليم ؛ ولما لم يقبلهم أسقف أورشليم أخذوا يتنقلون من أسقف إلي أسقف حتي أستقروا أخيرا في القسطنينية واستنجدوا بالبابا يوحنا ذهبي الفم ؛فقبلهم وأرسل خطابا إلي البابا ثيؤفيلس يلتمس منه الصفح عن الاخوة الطوال ؛فرد عليه البابا ثيؤفيلس ردا عنيفا وقال له " إن كان يجب أن أحاكم فلتكن محاكمتي أمام شعبي وليس أمامك أنت الذي يفصلنا عنك طريق يستغرق 75 يوما " وأستمر تصعيد الأمور حتي وصل إلي بقية الأساقفة ومنه إلي الأمبراطورة "إوذكسيا " التي أرادت تصفية حساباتها القديمة مع ذهبي الفم ؛ فأمروا بعقد مجمع في السنديان لمحاكمة ذهبي الفم وأستدعوه 4 مرات للمحاكمة ولكنه لم يحضر ؛ فأجتمع المجمع ووجهوا له 29 إتهاما ضد ذهبي الفم وحكموا بنفيه . وتصدي الشعب الشعب لهذا الأمر وحاولوا منع سفره غير أن ذهبي الفم وعظهم قائلا :-

( قل لي : ماذا أخاف !! أأخاف الموت ؟ "لي الحياة هي المسيح والموت ربح لي . أأخاف النفي ؟ للرب الأرض وملؤها . أأخاف مصادرة الأموال ؟ لم ندخل هذا العالم بشيء ولن نخرج منه بشيء . ؛ أني لا أخاف الفقر ولا أشتهي الغني . لا أخاف الموت ولا أرغب الحياة إلا لكي أنمو في الحياة الروحية) وفعلا يرحل القديس من القسنطنينية ولكنه ما يلبث أن غادرها حتي هاج الشعب مرة أخري فأمر الأمبراطور بعودته لنهدئة غضب الشعب . وكان هذا هو النفي الأول


النفي الثاني :-
نتيجة عظة للقديس ذهبي الفم حول تمثال "اوذكسيا " الذي أقامه زوجها تكريما لها ؛ وعظ القديس ذهبي الفم في أحدي عظاته قائلا ( انها تعود فترقص ؛ انها تطلب رأس يوحنا المعمدان من جديد علي طبق ) فتثور الملكة من جديد وتأمر بنفيه ؛فأخذ ينتقل منه بلد إلي بلد حتي تنيح بسلام عام 407 وهو خارج مدينة القسطنينية ؛ وكانت اخر عبارة نطقها قبل نياحته ( فليكن الله مباركا في كل شيء . أمين) وبعد 31 عاما من نياحته وفي عهد الاأمبراطور ثيؤدسيوس الصغير نقل جسده إلي القسطنينية في احتفال كبير وكان ذلك في 27 يناير 438 .

منهجه في دراسة الكتاب المقدس :-
1- تبني القديس ذهبي الفم المنهج الحرفي في دراسة الكتاب المقدس وذلك واضح في عبارات (يرثون الأرض – خبزنا كفافنا –كن مراضيا لخصمك .... الخ )

2- أراد أن يدخل بشعبه إلي عمق أعماق الكتاب المقدس فيجعل منهم شعبا كتابيا يعشق الكتاب المقدس

3- في تفسيره للكتاب المقدس لا يهتم بالكم بالكيف ؛ فيقول ( أن أفضل طريقة للتعليم هي ألا تمل من تكرار نفس النصيحة حتي تراها مطبقة عمليا ) وبقول ايضا ( أعتدت الا اقيس مقالاتي بكثرة الكلام ؛ بل بحرارة المستمعين الي )

4- كان يكرر شرح بعض الآيات المقدسة فكان الشعب يكمل ما بدأه فكان يقول له (مثابرتكم علي العظات جعلتكم معلمين ؛ لكن لا تتسرعوا ففي وسطكم مستجدون )

5-أمتاز بالبساطة في التفسير . فأذا شرح نصا وضع نفسه موضع الكاتب يشعر بأحاسيسه

6- طالب بالأهتمام بقواعد التفسير وأن لا يقوم بها إلا المتخصصون فيقول ( من يريد أن يتعلم الأعمال العسكرية يلزمه أن يعرف قوانينها ؛ ومن أراد الإبحار أو التجارة أو أي شيء أخر يلزمه فهم أسس هذا الفن ؛ أما في هذا الأمر "دراسة الكتاب المقدس" فلا يريدون أن يفعلوا شيئا مع أنه علم يحتاج إلي إهتمام يقظ )

7- في تفسيره للكتاب المقدس كان يري في كل كلمة وردت نفعا يلزم للمؤمن أن يبحث عنه

8- أرتبط بشخصيات معينة في الكتاب المقدس وتوحد معها مثل معلمنا القديس بولس الرسول ففي وسط العظة نجده يقول ( ماذا يحدث لي ؟ لنهرب سريعا فأن معلمنا القديس بولس الرسول يستولي علي ويبعدني خارج الموضوع ) ويقول أيضا ( أني أحرص علي قراءة رسائل الطوباوي بولس مرتين أسبوعيا وغالبا ثلاث او أربع مرات كل أسبوع ؛ يخيل إلي أني أهواه تماما . بل كأنه حاضرا أمام بصيرتي . وأتحدث معه )

9- كان يعرض عليهم بعض المشاكل دون حلها

صفات الخادم المحب :_
1- أن يكون بلا لوم ؛ وان يكون قدوة . "يلزم للخادم أن يكون مبجلا ؛ في زهو ؛ إداريا لكنه إجتماعي ؛ متضعا لكن غير مجاملا ؛ متواضع لكن غير خانع " ويقول أيضا " من يقوم بدور قيادي يلزمه أن يكون أكثر بهاءا من كوكب منير ؛ فتكون حياته بلا لوم "

2- يعلم بسلوكه أكثر من الكلام :- (لا حاجة للكلمات مادامت حياتنا تضيء ؛ لا حاجة للمعلمين مادمنا نظهر أعمالا صالحة ؛ ما كان يوجد وثني واحد لو كنا مسيحين بحق ؛ لو أننا نحفظ وصايا المسيح ونحتمل ؛ نشتم فنبارك ؛ نعامل معاملة سيئة فنصنع خيرا ؛ ) ( ما أسوأ أن نكون فلاسفة في الكلام لا في الأعمال ؛ لماذا هذا الكبرياء ؟ لأنك تعلم بالكلام ؛ ما أسهل ترديد الكلمات علمني بحياتك فهذا أفضل )

3- وديعا :- (إن كانت الخطية تجرح النفس وتذلها فالخطاة محتاجون لا إلي من يزيدهم جراحهم بالغضب ؛ بل من يسندهم بوداعته ) ( إن كان الأسقف ذو طبع ثائر فأنه يجلب كوارث عظيمة له ولإخوته ) ( من من الجموع يمكن أن يكون وديعا إذا رأي قائده سريع الغضب ؟! )

4- رجل صلاة :- ( صلواتنا تنفعنا كثيرا إن كانت صادرة عن قلوب خاشعة )

5- قادرا علي التعليم :-
+ القدوة وحدها لا تكفي لتعليم الآخرين
+ عندما تدور مناقشة حول موضوع عقيدي حيث تكون الحاجة إلي الله مستمدة من الكتاب المقدس ؛ ماذا تفيد قداسة الحياة ؟
+ من لا يعرف كيف يقدم التعليم الصحيح ؛فهو بعيد كل البعد عن كرسي المعلم لأن بقية الصفات يمكن أن توجد بين من يرعاهم ؛ أما يميزه عنهم فهو قدرته علي التعليم بالكلمة

6- يجب أن يكون خبيرا قادرا علي التعامل مع كل النفوس :-
( يجب أن يكون خبيرا بشئون العالم ليس بأقل من القوم العائشين فيه ؛ وفي نفس الوقت متحررا من العالم أكثر من الرهبان سكان البراري ؛ يختلط بالمتزوجين الذين لهم أطفال ؛ كما يختلط بالأغنياء وأصحاب المراكز العامة وذوي النفوذ)

7- غيورا علي خلاص انفوس :-
إن كان الذين يسلكون في الأمور الصالحة عشرة ؛ فأن العشرة يصيرون عشرين ؛ والعشرين خمسين ؛ والخمسين مائة ؛ والمائة ألف ؛ والألف يخلصون مدينة بأسرها

8- مهتما بخلاص نفسه :-
+ إن كلامي أكثر فائدة لحياتي من الذين يسمعونني ؛ أني أعرف خطورة هذه الوظيفة وصعوبة عملها
9- يحذر ذهبي الفم الوعاظ والخدام من الحسد والحقد بعضهم نحو بعض فيقول ( بما أن المعطي واحد ؛ فأنك إن أخذت موهبة أصغر أنما لنفعك ؛ فأن الله لا يصنع بك ذلك إحتقار منه وإنما لأجل فائدتك ) ( لم يعط الله المعلمون لنا ليقاوم بعضنا البعض ؛ أنما للتآلف فيما بيننا )

دور العلمانيون في الكنيسة :-
1- يشترك العلمانيون في العبادة الليتورجية كمشارك أساسي مع الكاهن فيقول (قلت هذا لكي يكون كل علماني متيقظا مدركا أننا جميعا جسدا واحدا ؛ اما الأختلافات بيننا فهي إختلاف أعضاء قبالة أخري )

2- يشترك العلمانيون في إختيار الشمامسة والكهنة ( لا يليق بالكهنة ان ينفردوا برأيهم ويمتلأو كبرياء ؛ فأنه أفضل للكنيسة ان يتشاور الكاهن مع الشعب)

3- العلمانيون يسندون الكاهن بالصلاة ( في أكثر الأسرار رهبة يصلي الكاهن من أجل الشعب ؛ ويصلي الشعب من أجل الكاهن ايضا )

4- العلمانيون قادرون علي الخدمة الفردية ( لا تلقوا كل العبء علي معلميكم ؛ لا تلقوه بأكمله علي من يقودكم ؛ إذا أردتم تستطيعون ان تعملوا فيما بينكم اكثر منا ؛ ؛فأن لديكم فرصا أكثر للالتقاء معا وتعرفون ظروف بعضكم أكثر منا . لديكم حرية أعظم في الحديث والحب والمودة ؛ هم يسمعونني مرة واحدة في الشهر أو مرتين وربما أقل ؛ حتي وإن حفظوا ما يسمعونه في الكنيسة سرعان ما ينسونه ؛ المسيحي كاهنا او راهبا او متزوجا له دوره في حياة الكنيسة يعمل ويجاهد لا لإحتياج الكنيسة لعمله بل بالحري لحاجتها إلي حيويته ؛ ولحاجته إلي تفاعله معها ؛ لا اقدر ان أصدق خلاص إنسان لا يعمل من أجل خلاص أخيه . ليس شيئا تافها مثل مسيحي لا يهتم بخلاص الاخرين . كل واحد يقدر ان يعين اخاه حتي ولو بالارادة الصادقة إن لم يكن في قدرته ان يفعل شيئا ؛ ليكن لك هذا الإشتياق بالنسبة لأخوتك الساقطين . إن كانت الخميرة لا تخمر العجين هل تكون خميرة ؟ إن كان العطر لا يعبق الجو هل يكون عطرا ؟ هكذا كل مسيحي لا يعمل من أجل خلاص غيره هل هو مسيحي؟ ).