سحر الجعارة
«يا ملاك يا جنيّة يا ست الحسن.. يعجبنى توهانك فى أحلامك/ يعجبنى شد الخصر بحزامك.. يعجبنى أخدك للكتب بالحضن».. هكذا صوّر العبقرى «صلاح جاهين» رحلة الصبية من وإلى المدرسة، وهى خجول من تفاحة برزت فجأة فى صدرها، تخفيها بكتبها.. غارقة فى أحلامها، ربما تحلم بكلية من كليات القمة، أو بفارس الأحلام، أو بفستان ينزع عن جسدها علامات الطفولة ليهديها ملامح «الأنوثة».

وهكذا كانت «ملك» تشعر بأن بها شيئاً يميزها عن زميلاتها، إنه شعرها الأسود المنسدل خلف ظهرها، متموجاً فى تمرد، وممتداً نحو أفق تلمسه -وحدها- بخيالها.. إنها الضفائر المجدولة أو ما يطلق عليها اسم «الراستا» وهى مشهورة منذ آلاف السنين، وتُعتبر أحد المظاهر التراثية والثقافية لسكان أفريقيا والحضارات القديمة، كما ارتبطت فى قديم الزمان بالفراعنة، وتعتمد على تقسيم الشعر لمجموعات عديدة لتضفير ضفائر صغيرة جداً كافية لتمرير المياه أثناء الغسل.

كانت الأم «نجلاء صادق»، وهى تربوية، ترى أن الضفائر جزء من مظاهر مرحلة الدراسة، تماماً كما كنا نتحلى بها ونزينها بشرائط ملونة، دون أن نشعر بالخجل أو العار.. كنا نشترى الشرائط مع الكراسات.. ونعلن بخلعها بدء إجازة الصيف.

ضفائر الراستا الرفيعة جداً مجدولة فى نهايتها بشريط ملون حتى تحافظ على ثباتها.. لكن يبدو أننا قد هجرنا الألوان، أصبحت مدارسنا «أبيض وأسود» بلون بياض قلوب الصبايا وسواد نفوس المتربصين للتنمر بهن!

«ملك» طالبة فى أولى ثانوى، لا تعلم أن الدكتورة «سعاد صالح»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، طالبت بتحجيب الطفلة فى الصف السادس الابتدائى «فى المدارس»!.. ولم تشهد «ملك» معركتنا لوقف هذه المهزلة ومساندة وزارة التربية والتعليم لمنع تحجيب البنات بالإكراه فى المدارس.. ولا استمعت إلى إصرار د. «صالح» على أن يكون البلوغ بداية الحجاب، لأنه سن التكليف بالنسبة للفتاة، قائلة: «إن الأقلام تُرفع عن الطفل حتى يبلغ، والبلوغ فى الإسلام هو سن التكليف والحساب، وهناك فتيات يبلغن فى الصف السادس الابتدائى، إذاً فالبلوغ علامة وإشارة ملزمة بارتداء الحجاب».

كانت «ملك» طفلة حين استولت عصابة الإخوان الإرهابية على حكم مصر، وقررت «أخونة مؤسسات الدولة».. ولا تزال ملك، التى لم تتم 16 عاماً من عمرها، «طفلة» ليس من حقها أن تقود سيارة لنقول لها إن مؤسسات الدولة مخترقة بخلايا إخوانية نائمة، وإن وزارة التربية والتعليم مليئة بهذه الخلايا، ولهذا يحاولون فرض الحجاب كـ«رمز سياسى»!

قد تكون لغتى أصعب من فك ضفائرك، لكن أضلعك نفسها قد تتحول إلى أسوار تسجنك أنت وبنات جيلك، ما لم نفتح الملف بصراحة ووضوح أمام الدكتور «طارق شوقى»، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، الذى يتجاهل أن الحالات الفردية تتحول مع الوقت إلى ظواهر اجتماعية.

وكأن السيد الوزير حين ينكر واقعة إكراه مديرة المدرسة لملك على ارتداء الحجاب، يُخلى بذلك مسئوليته عن الكوادر البشرية فى وزارته ويتوضأ من ذنوبهم!.

يردد الوزير ما تلقاه من معلومات دون تحرٍّ فيقول: «الطالبة قامت بعمل صبغة لشعرها بلون (فوشيا)، ومديرة المدرسة والأخصائية الاجتماعية طالبتا الطالبة بتغيير لون الصبغة حتى لا تقلدها الفتيات الأخريات خاصة أنهن داخل المدرسة».. يا سيدى البنت شعرها أسود ونهاية الضفائر ملونة بلون الشرائط!!.

عندما أرادت السعودية تنقية صفوف المدرسين ومراجعة المناهج التى تروج لفكر جماعة الإخوان وللتطرف والإرهاب، أوقفت آلاف المصريين عن العمل بالتدريس ورحّلتهم إلى بلادهم، مع جنسيات أخرى، لأنه ثبت أنهم يعملون لصالح التنظيم الدولى للإخوان.. إذا ما ذكرنا هذه الحقيقة يخرج علينا الوزير مستنكراً وكأن هناك «مؤامرة» لتشويه إنجازات وزارته!

سيادة الوزير: نحن نقف قلباً وقالباً مع تحديث منظومة التعليم، ومع التحدى الأكبر باستمرار الدراسة فى ظل جائحة كورونا.. ولا أحد يقلل من جهدك، ولكن بداية: لديكم ازدواجية فى التعليم ما بين دينى ومدنى وكأننا نعيش فى دولتين، وإن كان غلق أو ضم التعليم الدينى للمدنى يحتاج إلى قرار سيادى فهذه أيضاً مسئوليتك.

ثم إن لدينا كوادر بشرية غير مؤهلة علمياً ولا تربوياً، تربى الأجيال الجديدة على القهر والبطش: «سلطة المدير»، وإدارات تعليمية تنحاز لموظفيها، وبالقطع أولياء الأمور ليس مفروضاً أن يلجأوا للقضاء لحل مشكلاتهم!.

واقعة إكراه البنات على الحجاب متكررة، ومنتشرة فى الأقاليم والقرى، وقد سبق أن كتبت موجهة رسالتى إليكم: أن هذا سوف يقدم للمجتمع جيلاً مشوهاً: «مسخ».

لا تحدثنى عن التابلت والتعليم عن بُعد والإنترنت المجانى بينما لدينا طالبات يقعن تحت إرهاب «إدارة المدرسة».. وإن تنازلت والدة «ملك» عن حق ابنتها وعن التجاوزات التى جرت فى التحقيق مع الطالبة، فكلنا نعلم أن الأم خاضعة للابتزاز لأنها تعمل بالتدريس!

نحن لا نطلب المستحيل، فقط لتلتزم الطالبة بمواصفات الزى المدرسى، ولا تتدخل الإدارة لتفرض عليها غطاء الرأس «إيشارب أو طرحة».. لتستعرض تنامى التيار السلفى فى الشارع.. وباقى المشكلات نتمنى النظر فيها ووضع خطة لحلها.

أما أنت -يا صغيرتى- فقد تعلمك التجربة المريرة كيف تكونين نفسك مهما اشتدت الأزمة، وأنا أهديك بعضاً من أغنية «محمد منير»: «حِلِّى ضفايرك فى الهوا ويا القلوع.. وخدينى ودينى لبلاد مافيهاش دموع/ ومادام نوينا ع الطريق مافيناش رجوع/ مهما الهوا زام واتلوى حِلِّى ضفايرك للهوا.. حِلِّى ضفايرك فى الهوا».
نقلا عن الوطن