بقلم عادل يوسف – أستاذ جامعي – ولاية كاليفورنيا الأمريكية
 
جوهر مفهوم الصليب، عزيزي القارئ، هو أن تبذل نفسك، بحب، لأجل الاخرين ولا تتوقف عن ذلك حتى النفس الأخير حتى لو رفضوا ذلك البَذْل أو كانوا هم أنفسهم من يسلمونك للموت فتستمر ولا تتخلى عنهم! وكأن لسان حالك حينئذٍ يقول: وجدتهم بحاجة لهذا، ففعلته، بغض النظر عن موقفهم مني!
مفهوم الإيجابية ليس بمعزل عن مفهوم الصليب. فإيجابية الله تجلت حينما خلق الإنسان كفيض من حبه ليستمتع بالحياة معه في الفردوس، وبرزت تقوى وإيجابية الله حينما ظهر في الجسد ليجدد خلقته لنا ويخلص ما قد هلك.
 
رغم أن حَمَل الله، يسوع، الذي تخلى، بإرادته، ظاهريا عن مجده الإلهي أخذاً شكل الإنسان الخاطئ والضعيف، جال يصنع خيراً ويشفي كل سقم ومرض وضعف في الشعب، فان كثيرين جدا من نفس ذلك الشعب رفضوه واحتقروه وأنكروه وتخلوا عنه، وأخيراً اسلموه للموت، بل وظل قادة الشعب وأخرون يصرخون "أصلبه، أُصلبه". أما من جهة يسوع نفسه فلم يتراجع ولم يتخل عن حبه وخدمته لشعبه حتى في وقت صلبهم له. يسوع صُلب لأجل كل العالم بمن فيهم صالبيه رغم رفض ذلك الشعب نفسه له!
 
نحن نعلم أن يسوع المسيح الإله المتجسد كان تحت الألآم مثلنا ولكن بغير خطية، وقد كلفنا، نحن الخطاة، بحمل الصليب مثله والسير في نفس طريق الألم ومرارة الظلم والرفض والاهانات رغم علمه بضعفنا...
 
الرئيس ترامب أيضا انسان وضعيف وتحت الألآم والخطيئة مثلي ومثلك، عزيزي القارئ، هو ليس كاملاً. فإن كانت بعض من تصرفاته لا تعجب البعض فلأنه انسان تحت الخطيئة، وهذا لا يمنع أنه مدعو معي ومعك ومع كل من يؤمن أن يحمل صليبه كل يوم ويتبع المسيح في طريقه، وبحسب الترجمة الأدق للآية، "من منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر!" (يو ٨: ٧)، وكقول معلمنا بولس الرسول "من يظن أنه قائم فلينظر لئلا يسقط" (١ كو١٠: ١٢).
 
في السطور التالية أنا لا أقول أن ترامب كالمسيح البار والكامل، حاشا، ولكني أقول أنه قد يُذبَح معنوياً وقد يُحَمَّل صليب الظلم، كأي انسان مسيحي اخر... 
 
أبدأ بالقول أن الرئيس ترامب لم يكن محتاجاً للرئاسة، فلطالما نبَّه شعبه انه كان يعيش حياة مرفهة، وأنه ترشح فقط بسبب تثَقُّل قلبه بهموم أمريكا، ولتغيير مسارها الليبرالي الانحلالي والإلحادي، المسار الذي بدأت تتجه فيه منذ زمن، بالإضافة الى الفشل والفساد الذي استفحل في أغلب أجهزة الدولة العميقة بها - ما أسماه ترامب بـ "مستنقع واشنطن"، ومنذ اليوم الأول لتولي الرئيس ترامب سدة الحكم وقد عهِد على نفسه إعادة المجتمع لأخلاقياته ومبادئه التي بني عليها، ومعروف أن الدستور الأمريكي تأسس من البداية على مبادئ الإنجيل.
 
في المقابل، للأسف، من قبل أن يصبح ترامب رئيساً، بدأت إدارة أوباما بالتخطيط، مع هيلاري والاعلام الليبرالي وأخرين، لهدم وتشويه صورة الرجل، وعمَّت تلك الصورة المغلوطة عنه كل العالم. فإن كان السيد المسيح قد "وُلد مصلوباً"، حسب تعبير الاباء، فإن الرئيس ترامب - وإن كان وُلِدَ و "في فمه ملعقة من ذهب"، بحسب التعبير الشائع - بالحقيقة قد وُلد مصلوباً كرئيسٍ وكراعٍ لشعبه.
 
لقد تلقوه بكذبة هيلاري أنه تواطأ مع روسيا لكسب انتخابات ٢٠١٦، وتم تعيين محققاً خاصاً، اختار معه ١٨ من ألد أعداء ترامب، وعلى مدى ٣ سنوات شَهَّروا بالرجل وذبحوه معنويا وفضحوه على ما لم يفعله! وفي النهاية، لم يجدوا علة واحدة فيه... بعد فشلهم في هذا حاولوا عزله في الكونجرس بسبب مكالمة تليفونية! لم ينجحوا في ذلك أيضاً، لأن الله أراده.
 
مع انتشار كورونا وتوقُع الخبراء موت نحو ٢,٢ مليون أمريكياً، بذل ترامب جهداً خارقاًأنقذ الملايين وتم الاعتراف بذلك وقتها حتى من جانب أعداءه، لكن سرعان ما انقلبوا عليه وحمَّلوه مسئولية الوفيات!
 
على مدى ٤ سنوات لم يعطِ  الديمقراطيون أنفسهم راحة من ذبح ترامب كل يوم، ورغم كل شيء لم يتوقف ترامب عن خدمة شعبه وإصلاح احوالهم، فأعاد هيكلة الاقتصاد والجيش اللذان أصبحا الأفضل في تاريخ العالم في ٣ سنوات فقط! أعاد ملء المستشفيات بأجهزة التنفس الاصطناعي التي خلت منها في عهد أوباما. أعاد ضبط الحدود التي فتحها أوباما على مصراعيها للمهربين وعصابات المافيا وللإرهابيين. قضى على داعش. أوقف مخطط تدمير الشرق الأوسط وتقسيم سوريا والعراق وليبيا وسيناء. دافع عن الحريات الدينية، وأوقف دعم أمريكا لجماعة الإخوان. عمل على سحب القوات الأمريكية من خارج البلاد، وأوقف تدخل أمريكا في شؤون دول العالم وفرض ديموقراطية أمريكا عليها، أعاد السلام للشرق الأوسط بتوسطه في اتفاقيات اعادت الأمل والحب للمنطقة بعد غياب لأكثر من نصف قرن...
 
أخيراً جاءت الانتخابات، وهنا أدعوكم لمراجعة مقالتي بتاريخ ١٦ نوفمبر ٢٠٢٠ على موقع الأقباط متحدون تحت عنوان "ترامب سينتصر، وكثيرون سيحلون ضيوفاً على السجون..."، وأن تركزوا فيها على الكلام الخاص بالسيرفر الذي استحوذ عليه فريق أمريكي من داخل ألمانيا وكان مستخدماً للتحكم عن بُعد في عَدِ وتبديل أصوات الناخبين عبر اسبانيا، وبالمناسبة كان لتلك العملية علاقة بعزل وزير الدفاع الأمريكي قبل القيام بها لأنه كان سيُعطِّلها، وقريبا ستؤدي التطورات لعزل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي أي إيه" ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالية "إف بي أي"... على أي حالٍ، رأى ترامب كَمَّاً هائلاً من التزوير ضده في تلك الانتخابات، وشعر بالمرارة لاضطراره لخوض حرب جديدة ضد الكذب والباطل والغش... كل العالم يهنئ بايدن بالفوز، وترامب يعلم أن الانتخابات تم تزويرها ضده. الاعلام يرفض، متعمداً، أن يغطي أدلة فريق ترامب، بينما تجميع وعرض الأدلة على المحاكم ثم الانتقال من محاكم درجة أُولى لمحاكم أعلى يستغرق وقتاً... ترامب يبدوا وكأنه يهذي في نظر العالم، والكثيرون يهزؤون به، فأوباما خرج علينا منذ أيام هاذئاً بترامب قائلاً "لربما نحتاج أن نرسل له القوات الخاصة لجره خارج البيت الأبيض"! ما يزيد من مرارة الموقف ان بعضا من حزب ترامب هنأوا بايدن الذي ضده وضد أسرته أدلة فساد قوية كفائز، وكأن هؤلاء فضلوا "باراباس" اللص على ملكهم! 
 
ترامب سيفوز بفترة رئاسة ثانية، ولكن ليس قبل معاناة وتعرضه للسخرية وإخفاقات عديدة وأخيرا أعمال عنف وتخريب في الشوارع. صعب أن تصدقوا. أعذركم، وأدعوكم فقط للانتظار وسترون النهاية...
 
ترامب الأن، رجل في سِن ٧٤، متألم لأجل حق مسلوب من جانب أبالسة وفاسدين، بعد أن كان يعيش حياة الأمراء قبلاً. أحسب أن موقفه الأن كمن هو في يوم جمعة ألآمٍ، مَرَّ بها السيد قبلاً، ويمر بها كل متألم لأجل حقٍ، مرذولاً ومهاناً ومفترياً عليه... لكن فجر يوم أحدٍ لابد أنه قادم وسيشرق عن قريبٍ. "كل محنة الصليب تنتهي بمجد"، "لا يوجد صليب بدون قيامة، إن كان صليباً حقيقياً" (من عظة للأب متى المسكين بعنوان "الصليب في حياتنا" - عام ١٩٧٧).
 
أُؤكد لكم أن نور يومٍ جديد سيسطع في كل ربوع أمريكا، وبالتالي على الشرق الأوسط وعلى كل من يَقبل ويحب النور حول العالم، لأن مِنَ الأن، مَنْ يصبح رئيسا للولايات المتحدة قد أُعطِيَ أن يُسَطِّر تاريخا مختلفا لمعظم دول العالم... الأن، أمام شعب أمريكا ومحاكمها طريقان، الحياة والموت... "فاختر الحياة لكي تحيا" (تث ١٩:٣٠)، وأعتقد أننا سنحيا.