أحمد الاشقر
كم من المظاهرات والثورات والاضطرابات قامت علي مر التاريخ والعصور في بلاد عديدة في انحاء العالم من اجل العدالة الاجتماعية والقضاء علي الظلم بين طبقات وطوائف الشعب المختلفة وخاصة في العشرين سنة الاخيرة بعد ان اتسعت الفجوة بين الفقراء والاغنياء بدرجة كبيرة لم تكن معروفة من قبل. وتقول الاحصائيات في بلاد عديدة ان الفقراء فقدوا في العشرين سنة الماضية حوالي ١٠٪‏ من دخلهم بينما زاد دخل الاغنياء في نفس المدة بنسبة ٢٥٪‏ ،والطبقة المتوسطة تكاد تختفي في مجتمعات عديدة، ومازالت الفجوة تتسع يوم بعد يوم ومعها تزداد الاضطرابات والمظاهرات والعنف في العديد من الدول سواء الغنية او الفقيرة. الكل يطالب بالعدالة الاجتماعية ورفع الظلم ومعادلة الاجور، فليس من المعقول ان يكون هناك فرد اجره في الشهر يعادل اجر فرد اخر لمدة عشر سنوات. تلك الفجوة الرهيبة بين الاجور والثروات كانت وستظل مصدراً للعديد من القلاءيل والمظاهرات والثورات واعمال العنف، طالما لم يتم تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمعات المختلفة. الدول الغنية تحاول معاونة ومساندة الفقراء من خلال الاعانات الاجتماعية ومرتبات لمن فقدوا عملهم وحتي يجدوا عملاً يدرعليهم دخلاً يكفي وتكاليف المعيشة لهم واسرهم.

وكالعادة فاءن موضوع العدالة الاجتماعية، مثل الاف الموضوعات، خضع للبحث العلمي في عدة دول ومحاولة فهم ديناميكية العدالة الاجتماعية او الظلم الاجتماعي في النفس البشرية وكيف تنشاء او تختفي. اجريت العديد من التجارب علي فئات عديدة من البشر لفهم كيف ينشاء الاحساس بالعدل او الظلم في مراحل العمر المختلفة، وهل هو موجود في الجينات منذ البداية. والبداية اولاً كانت بالطبع عند الاطفال ذو الاربع سنوات لمعرفة ان كان احساس العدالة الاجتماعية يولد مع الانسان وبداية الحياة او انه يكتسب من اساليب التربية والتعليم التي يتلقاها الاطفال حتي يصلوا الي سن الشباب. اعطوا مجموعة من الاطفال نفس العمل البسيط، جمع كرات تنس طاولة في سلة صغيرة وتابعوا كيف يعمل الاطفال والسرعة التي يجمعوا بها الكرات وكم كرة في كل سلة. وبعد انجاز العمل اعطوا احدهم اجراً اعلي والاخر اقل ( الاجر عبارة عن قطع صغيرة من  الشيكولاته). الذين اخذوا اجراً اقل احسوا بالظلم وانكسي وجههم بالحزن ومظاهر الظلم. طلب المشرفون علي التجربة من الاطفال الذين اخذوا اجراً اعلي ان يجدوا حلاً يرضي زملاءيهم الذين حصلوا علي اجر اقل، بعض منهم اعطي ذو الاجر الاقل ١-٢ قطعة شيكولاته واحتفظ بالباقي لنفسه والبعض الاخر جمع الاجرين، الكثير والقليل ثم قسمه بالعدل وبالتساوي علي اتنين، اي ان الاحساس بالعدالة الاجتماعية والظلم الاجتماعي موجود منذ الولادة والطفولة الصغيرة.

اختلف الامرعندما اجريت التجارب مع الكبار وحيث كان كل فرد يريد ان يحصل علي اعلي اجر ويعتبر انه يعمل اكثر من الاخرين ولكن عندما يري في نهاية التجربة ان الاخرين عملوا اكثر منه فانه يتقبل اجره. وفي النهاية اتفق جميع المشاركين في التجربة علي ان من يعمل اكثر وينتج اكثر لابد ان يكسب اكثر. في فنلندا كانت هناك نوع اخر من التجارب الجديدة والتي ينادي بها عدد من الاحزاب الاوروبية والتي استمرت مدة عامين. والتجربة هي انهم اعطوا كل مواطن هناك حد ادني من الاجر الشهري ( حوالي ١٠٠٠ يورو) بدون اي شروط وبغض النظر ان كان يعمل او عاطل وقيموا التجربة بعد العامين، فهناك من تلقي الاجر وظل يعمل اكثر ليشتري منزل او يقوم برحلة طويلة او يحسن مستواه الاقتصادي والاجتماعي بالمبلغ الجديد وهناك ايضا من توقف عن العمل او لم يبحث عن عمل وعاش بالاجر الذي حصل عليه، اي ان هذا الاجر ادي الي كسل واهمال لواجب البحث عن عمل او العمل والكسب. وبالتالي فان هذا الحل له مزايا وعيوب، يحمس البعض علي العمل والانتاج ويدفع بعض اخر الي الكسل وعدم العمل ومعها توقفت هذه التجربة والتي كانت قد طرحت كحل لتذويب الفوارق بين طبقات المجتمع وحل لمشاكل البطالة'> البطالة.

ويبقي السوءال هلي يجب اعطاء كل العاملين نفس الاجر بغض النظر عن الانتاج الذي يقدمه كل فرد منهم ام ان يتم تقييم كل عمل وعلي اساسه يتم تحديد الاجر؟ او بمعني اخر هل المساواة او العدالة الاجتماعية هي السبيل الي السلام الاجتماعي ونمو المجتمعات ورخاءيها؟ كيف السبيل اذن الي منع الفقر وانقسام المجتمعات الي طبقة غنية تملك كل شيء واخري فقيرة لاتملك شيء ( في المانيا مثلاً ١٪‏ من السكان يملكون اكثر من ٣٥٪‏ من ثروات البلاد).

بلا شك تلعب الاجور والثروات دوراً هاماً في حياة الافراد والشعوب ولكن الاجور والثروات تختلف ايضا باختلاف درجة التعليم ومن لديه الفرصة لينال قسطاً كبيراً من التعليم لديه الفرصة ايضاً ان يحصل علي عمل باجرعالي ومعه يبرز السؤال، هل فرص التعليم متاحة للجميع بنفس المقدار؟ بالطبع لا، فالفقراء يبحثون عن عمل في سن مبكرة للمساعدة في تكاليف الحياة للاسرة كلها وبالتالي فرصتهم في عمل جيد واجرعالي محدودة. ايضاً بشاءن العناية الصحية في المجتمعات، الفقير عليه ان يقبل اقل درجات العناية الصحية والاغنياء يحصلون علي اعلي مستوي من الخدمات الصحية القادرين علي سداد تكاليفها. العديد من الدول الاوروبية وفرت الرعاية الصحية من خلال التاءمين الصحي لكل افراد المجتمع وممنوع ان يتواجد مواطن علي ارض هذه البلاد بدون تاءمين صحي فهو اجباري، يكفل له الرعاية الصحية اللازمة عند الضرورة، والتاءمين الصحي هو نوع من التكافل الاجتماعي حيث يسدد كل مواطن اشتراكه حسب دخله ومايسدده من ضرائب ويحصل علي رعاية صحية جيدة ومن يريد اكثر يدفع اكثر. ايضاً التاءمينات ضد البطالة'> البطالة التي يشارك فيها كل من يعمل من خلال تسديد مبلغ معين شهرياً تساهم في حفظ السلام الاجتماعي من خلال مساندة من فقد عمله او لم يجد عمل مدة معينة حتي يجد عمل. هناك ايضاً المعاونات الاجتماعية والتي يتلقاها من دخلهم اقل مما هو مطلوب لتوفير حياة كريمة لاسرهم، فهؤلاء يتلقون اعانات شهرية تساهم في تغطية تكاليف الحياة للاسرة كلها، هذه كلها محاولات لتوفير العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي.

ثم هل الحرية اهم من العدالة الاجتماعية والي ماذا تقود الحرية؟ ( اقامة عدالة اجتماعية كان الهدف الخامس من الاهداف الستة التي اعلنتها ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، عام ١٩٥٦ ). يقول الخبراء ان العدالة الاجتماعية في المقدمة، فهي اهم من الحرية وهي السبيل الي الحرية ( كانت هتافات الثورات العربية عيش حرية عدالة اجتماعية) وهي بذلك لاتؤدي غرضها فالمفروض العدالة الاجتماعية اولا في شتي المجالات، العمل، التعليم، الصحة، ومعها تاءتي الحرية وتمنع التواترات العصبية والصراع بين الطبقات، عندما يفكر الاباء دائما في كيفية تغطية تكاليف الحياة لاسرهم والذي يسبب لهم القلق والاضطرابات العصبية والمرض. العدالة الاجتماعية تؤكد ايضا تضامن طوائف المجتمع وثقتها في حكومتها وادارة البلاد وبالتالي توفر حياة افضل واامن لكل افراد الشعب.

وهناك اربعة دول اوروبية تعد نموذجاً للحلول الامثل لمساءلة العدالة الاجتماعية وحيث تعتبر شعوبهم انهم اسعد ناس في العالم وهذه الدول هي بالترتيب: ايسلندا، النرويج، الدنمارك وفنلندا. وفنلندا كانت منذ سنوات ليست ببعيدة واحدة من افقر الدول فكيف استطاعت ان تصبح واحدة من اغني الدول وان الشعب الفنلندي يقول انه من اسعد شعوب العالم بحياته، ومستعد ان يقبل اعمال بسيطة طالما قادرعلي تغطية مصاريف الحياة هناك ولكن هذه حكاية اخري