عبد المنعم بدوي
الحديث اليوم عن الشعر والشعراء ــ من زاويه غريبه وعجيبه ــ هل صحيح أن بعض الشعراء ، وخاصا المتمكنين منهم ، يكون لهم شيطان أو جنى ، يروى لهم مايصدر عنهم من أشعار ؟
 
قال لى ذات يوم الشاعر والأديب فايق فهيم ، إنه يصدق ذلك تماما ويؤمن به ، ودليله إنه يشعر أحيانا برغبه داخليه فى أن يقول شعرا ، ويصبح الأمر بالنسبه له وكأنها عملية ولاده ، فإذا صدر عنه مايريد ، أحس بالراحه بعد التعب البدنى والنفسى ، وإذا حاول بعد لحظات قليله أن يتذكر ما صدرمنه من شعر ولم يكن قد كتبه ، فلن يتذكر منه أى بيت وكأن شيئا ما لم يحدث .
 
هذا القول ليس فيه جديد على عالم الشعراء .. فقد كان العرب يتحدثون عن وادى ــ عبقر ــ بالقرب من مكه ، حيث فيه " الجن " يوحون للشعراء بأشعارهم .
 
لكن بعض المفكرين لهم رأى آخر، هم يرون إن مايجرى لهؤلاء الشعراء هو ــ وحى ــ أو " إلهام " غيبى يلح عليهم بشده ، وفى حالة خروجه ، يكاد يكون الشاعر فى حالة غيبوبه ونصف فاقد للوعى .
 
أمير الشعراء " أحمد شوقى " ذكر ذلك فى قصيدته " مجنون ليلى " فى الفصل الرابع ، حيث تحدث طويلا عن هؤلاء " الجن " ، وكان يسمى الجنى الذى يصاحبه ــ قيس ــ ويقول شوقى فى حوار بينه وبين الجنى " قيس "  :
 
ويحى أقيس واحد أم نحن قيسان هنا ؟ ... وأينا الشاعر هذا الجنى أم أنا ؟
 
يروى أن أمير الشعراء أحمد شوقى ، إذا أستيقظ من نومه بعد منتصف الليل ، وكان لديه عملية ولاده للشعر ، ولم يجد ورقه أو قلم يسعفه ، يظل يروى شعرا سلسا حميلا لأكثر من نصف ساعه ثم ينام ... فلما يستيقظ صباحا لم يتذكر شيئا مما قيل أو صدر منه ولا حتى رأس الموضوع   .
 
وأنا عن نفسى .. أكاد أصدق ، إذا كان الشعر جيدا ، وقائله لم يكن يتصور أن تصدر عنه هذه الروائع ـــ إذا فشعره من صنع أخر من صنع الجن .