كتب : كمال زاخر موسى
مفهوم الخلاص بكونه اتحاداً بين الله والبشرية
راهب ارثوذكسى من برية شيهيت (وادى النطرون) 
 
هذا الكتاب يعد نموذجاً لشرح مفهوم الخلاص وفق المنهج الأرثوذكسى الذى يجمع بين ما جاء بالكتاب المقدس وفهم الآباء فى الكنيسة الأولى له، بعيداً عن التخريجات المعقدة، أو الجدل المذهبى، وفيه تجد إجابة مدققة على الأسئلة الكثيرة التى تدور حول الخلق والسقوط والتوبة والتجسد  وتدبير الخلاص وعلاقته بالأسرار الكنسية.
واتركك مع مقدمة ناشر الكتاب، التى تشير إلى مضمون الكتاب ومحاوره الرئيسية، والقضايا التى يطرحها.
 
إن النقطة المركزية فى كل تدبير الخلاص هى "اتحاد الله بالبشرية" و"إنجماع الكل فى المسيح" (أفسس 1 : 10) لكى ما  "يكونوا واحداً" معه وفيه (يوحنا 17 : 21).
يقول القديس ايرينيوس:
"فى ملء الزمان صار (الكلمة) إنساناً منظوراً وملموساً، لكى يجمع كل شئ فى نفسه ويحتوى كل شئ، ويبيد الموت ويُظهر الحياة، ويعيد الوحدة بين الله والإنسان".
وفى هذا الاتحاد الأقنومى الحميم الذى تم فى المسيحدخلت طبيعتنا فى عمق الشركة مع الطبيعة الإلهية فنالت منها البرء والشفاء من ناحية وارتفعت إلى المجد الذى كان معداً لها من الناحية الأخرى.
يقول القديس كيرلس:
"فإنه لو كان يمكن أن يُخَلِّص الكلمة طبيعتنا من الخارج دون أن يلبسها ويدخلها إلى نفسه، لكان الأحرى بنا أن نوافق اتباع مذهب الدوسيتية (أى مذهب التجسد الظاهرى وليس الحقيقى)".
 
ويقول القديس أثناسيوس:
"لقد صار مثل هذا الاتحاد، لكى يصير ما هو بشرى بحسب الطبيعة متحداً بالذى له طبيعة اللاهوت، فيصير خلاصه وتأليهه مضموناً"
ولقد كان هذا الاتحاد غاية التدبير الإلهى، ومسرة الله ومشيئته وقصده من قبل تأسيس العالم، فالله الآب أراد أن يتبنانا فى المسيح ويباركنا بكل بركة روحية فى السماويات فى المسيح، وقد اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لذلك كان تدبير ملء الأزمنة هى أن يجمع الله كل شئ فى المسيح، ما فى السموات وما على الأرض، أى أن صورة المسيح الكلى "رأساً" و "جسداً يضم الكل متحدين بالرأس"، هذه الصورة هى التى كانت فى ذهن الله من قبل تأسيس العالم.
 
هذا "الاتحاد" الذى تم فى المسيح يعتبر هو الأساس فى وحدتنا كلنا مع الله، ومن خلاله وحدتنا كلنا بعضنا ببعض، لذلك نجد المسيح له المجد فى يوحنا 17، وبعد أن أسس سر الإفخارستيا، يطلب من الآب من أجل وحدة المؤمنين ويقول "قدسهم فى حقك ... لكى ... يكون الجميع واحداً" (يو17:17ـ21)، وهذه الصلاة، كما يفسرها القديس كيرلس الكبير، هى صلاة من أجل حلول الروح القدس علينا، على اعتبار أن الروح القدس هو روح التقديس المنوط به أن يقدسنا، وكذلك هو روح الوحدة الذى يوحدنا بالله ويوحدنا بعضنا ببعض.
 
ولكى يكتمل مفهوم تلك الوحدة فى أذهاننا يكمل المسيح كلامه فى الآية التالية "كما أنك أنت أيها الآب فىَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا" (يو 21:17)، وهنا يعطى الرب نموذج الوحدة التى يطلبها لنا، فكيف جعل المسيح هذا النموذج الفائق تماناً نموذجاً لوحدة المؤمنين به؟، وكيف يمكن أن ندخل فى هذه النوعية الفائقة من الوحدة؟، إن وحدة التواجد والاحتواء المتبادل غير موجودة أصلاً إلا فى الله وحده، فى علاقة الابن بالآب والآب بالابن. لذلك كان التجسد الإلهى هو الذى بواستطه صار ممكناً أن يكون هناك نوع من التواجد المتبادل بيننا وبين الله "أنتم فىَّ وأنا فيكم" (يو20:14). وذلك بفضل الاتحاد الأقنومى الفائق الذى حققه المسيح فى ذاته بين البشرية واللاهوت، وبالتالى أمكن أن ندخل فى علاقة مع الله، عن طريق المسيح فقط، فيها نوع من التواجد المتبادل، أى أن نكون فى الله ويكون الله فينا. وبدخول كل واحد منا فى هذه الوحدة الفائقة مع الله والتى ليس لها ما يشابهها فى هذا العالم، أمكن أن يكون بيننا فى الله فقط، نوع فائق من الوحدة.
 
يقول القديس كيرلس:
"حينما يعتبر المسيح وحدة الآب الجوهرية معه ووحدته الجوهرية مع الآب نموذجاً ومثالاً للمحبة والتوافق والوحدة التى لا تنفصم التى يجب أن تكون بين دوى النفس الواحدة، إنه بذلك يريدنا أن نكون منصهرين بنوع ما بعضنا مع بعض بقوة الثالوث الأقدس الواحد فى الجوهر".
ومن منطلق الاهتمام بشرح هذه النقطة المركزية فى تدبير الخلاص وهى "اتحاد الله بالبشرية"، يقدم مركز ياناريون للتراث الآبائى كتاب:
 
"قصد الدهور ـ مفهوم الخلاص بكونه اتحاداً بين الله والبشرية"
وذلك ضمن سلسلة دراسات عن المسيحية فى العصور الأولى، حيث يعرض فيه ثلاثة أوجه لشرح تلك النقطة المحورية:
ـ الفصل الأول: مفهوم الخلاص عن طريق الاتحاد بالله فى كتابات القديسين إيرينيوس وأثناسيوس الرسولى وكيرلس الكبير.
ـ الفصل الثانى: شرح الآيات الأولى من الرسالة إلى أفسس ـ وهى استعلان روحى ورؤية شاملة لتدبير الله الخلاصى عبر الدهور فى "انجماع الكل تحت رأس واحد فى المسيح".
 
ـ الفصل الثالث: شرح إنجيل يوحنا 17 ـ صلاة المسيح من أجل وحدة المؤمنين فيه.
 
وهذا الكتاب هو من اعداد مركز باناريون للتراث الآبائى بموافقة من المؤلف الذى اشترط عدم ذكر اسمه. وتسبق هذه الفصول الثلاثة دراسة موجزة عن تدبير الخلاص فى التراث الآبائى الشرقى، أعدها دكتور عماد موريس اسكندر وقام بمراجعتها دكتور جوزيف موريس فلتس.
نسأل الله أن يبارك فى هذ العمل.
وللثالوث القدوس المجد والإكرام والسجود الآن وإلى الأبد آمين.