فيفان سمير
جلست في شرفة منزلها، تتناول فنجان قهوتها الصباحي، مادة نظرها لأفق رحب، تعانق فيه السماء الارض، تقبل خضرتها فتزداد جمالا وبهاء، لوحة بارعة الجمال، رسمها الخالق العظيم. تواجه سؤالا يلح عليها، يغلفه الندم، يتردد داخلها كل يوم مع جلستها هذه، كيف اهدرت حياتها دون الاستمتاع بما وهبها الله من عطايا؟ كيف تمردت على حياتها وهدمت بيتها بيدها؟ لينتهي بها المطاف وحيدة وسط كل هذا الجمال الذي ترقبه من بعيد، ولا تستطيع أن تكون جزءا منه.

سنوات كثيرة مضت، كانت زوجة وأم، يضج بيتها بأنغام الحياة، زوجها عاشق للحياة، مرح لا يكف عن الضحك، صبور، يحتمل عصابيتها وعبوسها وثورتها التي لا تهدأ من أي شيء وكل شيء، تعامله كأحد أبنائها وليس كزوجها، ترفض تعبيره عن حبها بسبب وبدون سبب، تهزأ من لمسته المدللة ونظرته العاشقة، تصده وتنهره كأنه يجرم في حقها، سحابة سوداء من الكآبة والنكد تظلل حياتهما، بالطبع انعكس سلوكها الحاد على ابنائهما، أصبحوا شديدي الانطواء، مترددين، ضعيفي الشخصية، حد الانسحاق والتلاشي في ظلها.

وجد الزوج نفسه غريبا في بيته، الذي فقد الروح وأصبح معتقل لحريته، التي لا يستطيع الحياة بدونها، غابت ضحكته وملأ الحزن قلبه، فقرر الرحيل، بعد فشله في تغييرها او انقاذ ابنائه من تأثيرها، خوى البيت من الأب والزوج.

سنوات قليلة وكبر الاولاد، أسرعوا للإفلات من سطوتها، وسياط نقدها الدائم الذي تلهب به حياتهم، وسهام غضبها التي تصيب ارواحهم وتدمر ما تبقى من شخصياتهم.

لم تدرك انها تهدم كل جسور التواصل بينها وبين الحياة، الزوج صنع لنفسه حياة أخرى ناجحة سعيدة بلا ندم، ابنائها بنوا عالمهم الخاص الذي حرصوا على اقصاءها منه، اما هي فتجلس خارج الدنيا، تطل عليها من بعيد، ترى كل جمالها ومباهجها ولا تستطيع ان تعيشها، او حتى تلمسها، كمن يشاهد فيلما سينمائيا لا يستطيع المشاركة فيه. الليل والنهار يتشابهان، الجدران باردة، الهواء بلا انفاس تدفئه، وصوت الصمت أصم، كليل طويل بلا نهار.

اغمضت عينيها هربا من واقع مؤلم، ترسم بخيالها حياة مختلفة، لو قابلت ضحكات زوجها بابتسامة، لو بادلته قبلة الترحيب عند عودته للبيت، لو كسرت غرورها وعنفوانها وتقاسمت معه مسؤولية الابناء، لو ذابت في حنية الامومة وغمرت اسرتها بها، لو ابدلت ثورتها بالتعبير عن الحب بحب، دون محاذير، دون حسابات وقوانين وقواعد، دون تشويه لجماله وروعة سحره، لو عاشت السعادة التي كانت بين يديها واحتضنتها، ألف لو ولوكان من الممكن أن تصنع الفارق، أن تهديها جنة وتطفئ لهيب الندم، ألف لو، لما بقيت عالقة بين السماء والأرض.