بقلم - روماني صبري 
 
لما ارض اليمن وعرة للغاية !
آه يا لهذا اليمن.. لقد سحقت زهرتها
من يذهب إليها لا يعود أتعجب لماذا ؟
الذين رحلوا لليمن من آل عثمان لم يعودوا !
البزق يعزف من أمام الثكنات
انه يوجع قلبي أنه حافي القدمين
الفتيات يبكين على من ذهب إلى اليمن
من أمام الثكنات .. يأتي صوت جندي احتياط
انظروا ماذا يوجد في حقيبته
حذاؤه وطربوش أحمر 
الأوز يتجول أمام الثكنات
يدي وذراعي وقلبي المتألم يرتعشون
الفتيات يبكين على من ذهب إلى اليمن
أمام الثكنة عربة تجرها الخيول
قائدنا يوزع المهام
إننا ذاهبون أيها الرقيب
 
بكلمات هذه الأغنية التركية، حاول الأتراك التنصل من جرائمهم في اليمن، مثلما يفعل شخص منحط شديد السفالة، عندما يقتل احدهم طمعا في ماله وأرضه، حيث ربما يأخذ يجهش بالبكاء بعدما كان يلوك علكة، كون الضحية عضه من رقبته قبل أن يعرفه الموت، تعود هذه الأغنية للتراث التركي وتسمى "مرثية اليمن"، كان كتبها أحفاد آل عثمان، حزنا على الجنود الذين لقوا مصرعهم في اليمن، خلال الحرب العالمية الأولى.
 
 والتاريخ  رغم التباكي التركي ومحاولات تلميع صورة الدولة المجرمة من قبل النظام القطري، وجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والحركات المتطرفة المسلحة في الدول العربية الموالية لها، التاريخ لا ينسى جرائم آل عثمان وحفيدهم رجب طيب أردوغان الذي يسعى جاهدا عبر تمويل الإرهاب لاستعادة الإمبراطورية العثمانية، هذه الإمبراطورية التي قامت عام 1915 بمجازر "السيفو"، والسيفو من الكلمات السريانية وتعنى "السيف"، لتؤكد جرائم القتل والمذابح التي طالت الأبرياء من السريان من قبل آل عثمان، جانب جرائمهم في مصر، وليبيا والعديد من الدول.
 
يقول وثائقي لقناة "تركيا الآن"، انه من زاوية أخرى يمكن أن تعتبر "مرثية اليمن"، تخليدا للأرض، التي استعصت على الأتراك ولم تستسلم لهم أبدا حتى لقبت عن استحقاق بـ"مقبرة الأناضول" ووراء هذا اللقب حكاية، تستحق الرواية، ففي عام 1538 غزا العثمانيين اليمن بقيادة والي مصر سليمان باشا الخادم، ولكن وجودهم فيه ظل قلقا ومقتصرا على السواحل ووسط البلاد نتيجة لوجود الأئمة الزيديين الأقوياء في المرتفعات الشمالية.
 
مع اندلاع الحرب الأهلية بين أفراد البيت الزيدي، استغل الأتراك الوضع وقاموا بالاستيلاء على "تعز"، عام 1546، ثم على كل من صنعاء وصعدة عام 1548، عقب تلك الانتصارات المتتالية عمد آل عثمان على إصابة اليمن بما أصابوا به غيره من ديار العرب، عبر الضرائب المجحفة والنهب الممنهج، ما دفع الإمام الزيدي المطهر عام 1569 إلى إعلان الثورة ضد الأتراك بعد أن انضم إليه الآلاف من اليمينين بالسلاح، وبعد معارك ضاربة كتب لهم النصر، وطرد العسكر العثماني من اليمن، قاصرين وجوده على منطقة زبيد فقط.
 
 
 لكن وفاة الإمام المطهر عام 1572 أباحت للأتراك التسلل من جديد إلى داخل اليمن والعودة إلى فرض المظالم على أهله، ما مهد لثورة يمينية جديدة قادها هذه المرة الأمير الزيدي " القاسم بن محمد" خلال تسعينات القرن السادس عشر، والذي انتصر خلالها على الأتراك مجبرا إياهم على التخلي عن شمال اليمن للزيدية، وعندما توفي القاسم عام 1620 وخلفه " محمد المؤيد"، كشف الأخير عن نيته طرد الأتراك من كامل التراب اليمني، محرضا رجاله على قتل كل قتل عثماني يألفونه حيا في الطرقات أو الطرقات، ثم لم يأتي عام 1635 إلا وقد حقق المؤيد نصرا ساحقا أنهى الوجود العثماني في اليمن، بصورة كاملة ليكون أول بلد عربي يتخلص من سيادة اسطنبول.
 
ولكن القرن التاسع عشر، شهد عودة العثمانيين من جديد إلى اليمن، ففي إعقاب حملة والي مصر " محمد علي باشا" على الجزيرة العربية، عاد اليمن مرة أخرى إلى السيادة العربية، ولكن وفق ذات الشروط القديمة حيث المظالم التركية والثورات اليمينية المتكررة ضدها، وكان أبرزها هذه المرة ثورة الأئمة الزيدية عام 1911 ، حيث حاصر اليمينين الأتراك في صنعاء بقيادة الإمام " يحيي حميد الدين." 
 
حتى اجبروا اسطنبول على عقد "صلح دعن" الذي اعترفت فيه باستقلال اليمن عن الدولة العثمانية، ولم يحاول الأتراك العودة بعد ذلك إلى اليمن إلا بعد اندلاع الحرب العظمى عام 1914، ووضعهم خطة لطرد الانجليز من عدن جنوب اليمن، وقطع طرق الموصولات بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند، لكن الحملة العثمانية فشلت فشلا ذريعا أمام أبواب عدن، ولم ينجو معظم أفرادها للعودة إلى ديارهم ما دفع ذويهم في الأناضول لتأليف مرثية اليمن التي صارت تذكرهم بأولئك الجنود الذي ذهبوا ولم يعودوا أبدا.
 
واليوم يعود الأتراك للمرة الثالثة إلى اليمن، بقيادة رجب طيب أردوغان، والذي يعقد تحالفا عميقا بشراكة قطر مع حزب الإصلاح الجناح السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، بهدف السيطرة على مدينة "شبوة" الساحلية بعدما اخفق في دخول "سقطرى" وميناء "المخا" وغرضه الكبير الاستحواذ على منطقة "القرن الإفريقي" و"مضيق باب" المندب حيث معبر التجارة العالمية، ليواصل النهج ألاحتلالي لأجداده آل عثمان.