سحر الجعارة
على موقع جريدة الوطن الخليجية ستجد «مانشيت» رئيسياً يقول: «مسئولون فى الإمارات: مقاطعة المنتجات الفرنسية مرفوضة».. وأسفل المانشيت أخبار عن تغريدات لشخصيات مقرَّبة من دوائر الحكم ترفض المقاطعة وتصفها بأنها «إخوانية».. فغرّد مستشار ولى عهد أبوظبى «عبدالخالق عبدالله» متهماً الحملة العربية والإسلامية لمقاطعة المنتجات الفرنسية بأنها «حملة إخوانية».

وكتب: «حملة الإخوان ضد حرب فرنسا المحقة على الغلوّ والتطرف ليست مخلصة لوجه الله وليست دفاعاً عن الإسلام بل هى متاجرة بالدين».

كما غرّد «على بن تميم»، المقرّب من ولى عهد أبوظبى، قائلاً: «مع الحملة الشعبية لمقاطعة تركيا التى أساءت إلى إرث الرسالة المحمدية وتراث العرب والمسلمين، ولا بل ألف لا لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، لأن فرنسا سعت دون كلل ولا ملل إلى عدم الارتهان للجماعات الإسلاموية المتطرفة التى تريد احتكار الصواب ونشر الاحتراب بالزيف والسراب وفتاوى الإرهاب».

ونشر حساب «مركز الإمارات للدراسات والإعلام» تغريدة أثارت جدلاً واسعاً جاء تحتها: «الشيخ محمد بن زايد يؤكد للرئيس الفرنسى ماكرون دعمه لاقتصاد فرنسا ضد الحرب الممنهجة التى يقودها تنظيم الإخوان المسلمين العالمى بمقاطعة المنتجات الفرنسية».

إذا افترضنا أن هذا هو موقف الإمارات الرسمى من الدعوات لمقاطعة فرنسا، وهذا الوعى بأنها حملة «إخوانية ممنهجة».. فهل يتسق هذا الموقف السياسى مع موقف «مجلس حكماء المسلمين»، الذى أعلن عن تشكيل لجنة من الخبراء القانونيين الدوليين لرفع دعوى قضائية على صحيفة شارلى إيبدو التى قامت بنشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة لنبى الرحمة -صلى الله عليه وسلم- وكذلك كل من يسىء للإسلام ورموزه المقدسة.

المجلس أكد فى بيانه أن «مواجهة هذه الإساءات ستكون من خلال ساحات القضاء وبالطرق القانونية، إيماناً من المجلس بأهمية مقاومة خطاب الكراهية والفتنة بالطرق السلمية والعقلانية والقانونية»، مشيراً إلى أن «زمن الأقوال ولى وحان الوقت للفعل والعمل على الأرض».

والمجلس لمن لا يعرفه هو (هيئة دولية مستقلة تأسست فى 19 يوليو عام 2014م، تهدف إلى تعزيز السِّلم فى المجتمعات المسلمة، وترسيخ قيم الحوار والتسامح، يرأسها فضيلة الإمام الأكبر أ. د. «أحمد الطيب» شيخ الأزهر، وتضم فى عضويتها نخبة من العلماء)، ومقره «الإمارات» وذلك بحسب المنشور على الموقع الرسمى.

ليس لدىّ أى اعتراض على مقاضاة صحيفة «شارلى إيبدو»، بل على العكس أنا أعتبر القضاء هو السبيل الأمثل لحفظ «حقوق الإنسان» ومنها حرية التعبير.. وبغضّ النظر عن تناقض الموقفين ما بين رفض المقاطعة واللجوء للقضاء، فمن المعروف أن «الهيئات المستقلة» قد تتعارض مواقفها مع الحكومات.

لكن السؤال: هؤلاء العلماء يدعون -فى بيانهم- المسلمين فى الغرب إلى «التمسك بقيم التعايش والسلام والمواطنة والأخوة الإنسانية مع كل المكونات الاجتماعية فى بلدانهم، والاندماج الإيجابى فى تلك المجتمعات، بما يعزز مساهماتهم فى البناء والتنمية مع الحفاظ على ثوابتهم وخصوصياتهم الدينية والثقافية، وعدم الانسياق وراء استفزازات الخطاب اليمينى الذى يستهدف تشويه الإسلام وترسيخ فكرة إلصاقه بالإرهاب والانعزالية، ويروج للعداء ضد المسلمين».. وهو كلام يتطابق تقريباً مع ما قاله الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، بمناسبة طرح مبادرته ضد التطرف والنزعات الانفصالية، وسبل مواجهته لتيار «الإسلام السياسى».. فهل يتسق التقاضى مع الاندماج والتعايش؟!.

ما عايشناه فى مصر، (وحدث مثله تماماً فى فرنسا)، أن أى قضية يتم استغلالها لإثارة الفوضى وخروج المظاهرات «رافضة أو مؤيدة»، مع صخب إعلامى وجدل واسع.. فرنسا نفسها عاشته أثناء المطالبة بارتداء «البوركينى» وهو ما يقال إنه زى السباحة الإسلامى، كما عايشته على هامش قضايا متعلقة بارتداء النقاب أو الحجاب.

إن ما طرحه «ماكرون» كان مجموعة من التدابير لمواجهة ما سماه «النزعة الإسلامية الراديكالية» الساعية إلى «إقامة نظام مواز» فى فرنسا.. وكأن المطلوب الآن هو تكريس وجود هذا النظام الموازى أو ما نسميه «دولة داخل الدولة» بـ«القضاء»!.

حين تضع فرنسا مشروع قانون يمثل لها إحياء الجمهورية وقيمها حول التحرر والمساواة وترسيخ قيم العلمانية فى التعليم والحياة العامة.. فإنها تخوض حرباً صدّرتها إليها الدول المسلمة، والكيانات الإرهابية، وحين تقرر مد حظر الحجاب إلى القطاع الخاص، فهى تعلم أنه «رمز سياسى» أكثر منه فرضاً دينياً، ولا يتصور أحد أنه يستطيع أن يضع دولة علمانية تحت وصاية «دولة الخلافة العثمانية» المزعومة.. ولا أن يُخضع «ماكرون» لحملة ابتزاز يقودها قرصان تركيا «رجب طيب أردوغان» وتنساق لها الشعوب العربية بحملات مكثفة على السوشيال ميديا وقناة الجزيرة وقنوات الإخوان!!.

لقد تسامحت فرنسا، وغيرها من الدول الأوروبية، مع المهاجرين من شمال أفريقيا تحديداً حتى أصبح «الإرهاب» يطوقها ويخترق ضلوعها، وعانت من موجات العائدين من أفغانستان ومن «الدواعش العائدين».. ولم تتوقف عن استقبال اللاجئين السوريين، ولم تجعلهم وقوداً لحرب مفتعلة أو مرتزقة تدفع بهم للهلاك كما فعل «أردوغان» بالسوريين الذين أرسلهم إلى سوريا ثم إلى ليبيا.

هل المطلوب الآن أن يقبل «ماكرون» بتنظيمات متطرفة وكيانات إرهابية داخل بلاده أو نهدد مصالحه الاقتصادية (بحجة الرسوم المسيئة للرسول)؟.

لن أعدد الأمثلة التى نشرتها نفس الصحيفة عن باقى الديانات، فهى منتشرة على السوشيال ميديا، فلو كانت هذه الرسوم خطراً داهماً فليترك المهاجر هذا البلد الكافر ويعود إلى موطنه الأصلى ويتزوج بأربع نساء ويهنأ بهن.. أما شيخ الأزهر فعليه أن يمتنع عن الذهاب إلى أوروبا «فرنسا وألمانيا» للعلاج لأننا نرفض أن يعالج الكفار الإمام الأكبر.. وإن توصلت فرنسا للقاح ضد كورونا علينا أن نقاطعه أيضاً.. لأن «شارلى إيبدو» لن تسلم عصمتها لشيخ وسطى كان أو إخوانياً!!.
نقلا عن الوطن