أوضح الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، في مقدمه “ديوان مروا من هنا” للشاعر والروائي المالطي “إيمانويل ميفسود” والصادر حديثًا عن بيت الياسمين أن، إيمانويل مِفسود كاتب تتجلى عبقريته في أكثر من فن؛ القصة والشعر والمسرح وأدب الأطفال والإخراج المسرحي ويحقق فيها كلها وجودًا عظيمًا.
 
هو كاتب من طراز الكتاب الكبار الذين تتوزع أرواحهم على سائر الفنون، يشكلون من روح الحياة لوحات فنية بارعة. كتب في القصة “حكايات الناس القبيحةStories of Ugly People ” و”حكايات لليلة السبت Stories for Saturday Night ” و”كتاب العشاق المشوهين The Book of Maimed Lovers ” و”في الليلة الظلماء أبصرنا In the Dark Night We Looked ” وغيرها مما يصل إلى نحو عشر مجموعات قصصية. 
كتب في الشعر “كتاب الريح والزهور” The Book of the Wind and Flowers و”عند كلارا At Clara’s ” وكتب دواوين شعر بالإنجليزية مثل “لعبة الأمواج” The Play of Waves و مثل “التقارير السرية Confidential Reports ” و”صور بولندية Poland Pictures “.
 
 كما كتب بالإنجليزية والمالطية معا، وبلغت دواوينه إلي عشرة أعمال أيضًا. كما ترجم مسرحية “دون جوان” لموليير وترجم وأعد للمسرح رواية الكاتب البريطاني نيكولاس مونسارات “حصار مالطا” The Kappillan of Malta” وترجم مسرحية “لامبيدوزا ” للكاتب المسرحي البريطاني أندريه لوستجارتن وكتب “الإيمان، الأمل في الخير” Faith, Hope u Charity وغيرها، كما كتب للأطفال، وحاز جوائز كثيرة، منها جائزة الدولة خمس مرات، في كل مرة عن عمل من أعماله، وجائزة الاتحاد الأوروبي في الآداب. 
 
ولد إيمانويل مِفسود عام 1967 في مالطا، وكان الطفل الأصغر بين ثمانية أطفال لأسرة من طبقة العمال. بدأ كتابة الشعر في السادسة عشرة من عمره حين انضم لجماعة أدبية، ثم التحق فيه بجماعة للمسرح التجريبي وأخرج مسرحيات من تأليفه، ثم مسرحيات لتشيخوف وداريو فو وماكس فريش وفيديريكو جارسيا لوركا وهارولد بنتر، وغيرهم من كبار المسرحيين والتجريبيين. عُرفت أعماله النثرية والشعرية في العالم، وتُرجمت لعدة لغات في أوروبا والأمريكتين، والحديث عنه يطول، وهنا نقدم ديوانه “مرّوا من هنا”. 
 
ستفاجئك في مدخله عبارة “لم يعد بإمكاننا فعل شيء سوى أن نلقي المرساة”. هذا ليس استسلامًا فمِفسود من أصحاب الآراء السياسية التي ترى ضرورة التغير والحكم الديمقراطي، وهو مناهض لليبرالية الجديدة المتوحشة، فهو ضد اضطهاد البشر بسبب اللون أو الوضع الاجتماعي، لكن في هذا الديوان كأنه يقول لك أن الرحلة آن لها أن تنتهي ونتأمل، لكن دون مباشرة كما يليق بشاعر عظيم الموهبة. 
 
في قصيدة “تعب” تطالع صورًا شعرية موغلة في الدهشة منها:
“التعب
امرأة عجوز
 تدعونا
 أن نكف عن السير
في هذه الطريق الملتوية”. 
وفي القصيدة التالية “تذكر”
“بعد الدموع يمتص التراب ماء الحزن”. 
تأخذك الصور الفنية الموجزة للمشاعر والرؤى في صيرورة من الدهشة، ففي القصيدة نفسها:
“كم أغنية
 سمعت
 لتستعيد الطريق
 الذي أوصلك
 بلا حلم
إلى حيث أنت الآن؟
كم مرة
وددت أن تطفئ النور،
لتلمح الطيف
 الذي كان كل ليلة 
يدنو منك،
 فينفلت من بين يديك؟”. 
إنها صور شعرية تمس الروح وتشعلها بالألم أو الشجن. وهل الشعر إلا صورًا فنية تراها العين كما تسمعها الأذن. وهكذا تمشي مع كل القصائد حتى أني أكاد أكتبها كلها لكني أختصر وأترك لك المتعة مرددًا ما أنشده هو كنشيد من الشجن في قصيدته “مرّوا من هنا”.
“من هنا
مرت أحذية جنود،
نحو الموت
فداء للبلد.
من هنا
مر الجوعى
مسرعين بأقدام متقرحة،
آملين إسكات
 ألم أمعائهم الخاوية
برغيف خبز يسد الرمق.
 من هنا
مر الآباء والأبناء
ملتصقين بأجساد أمهاتهم.
من هنا
مر العظماء
بوعودهم الكاذبة،
وبمدافع،
محشوة بالقذائف
ومزينة بالورد،
كانت تتحين الفرص.
من هنا
مرت العاهرات،
وقد شمرن تنانيرهن،
مجرجراتٍ
الوباء
والعطر
والذنوب”.