محمد أبوقمر

هلفطة :
إحنا إللي طالبنا بضرورة وجود تشريع عالمي يجرم الإساءة للأديان ، وإحنا برضه إللي قولنا ذات يوم إن أوروبا لم تتقدم هذا التقدم الهائل إلا حين أعطت ظهرها للمسيحية ، أنا مش هاقول إن الكلام ده بيناقض بعضه ، ولا هاأقول إن العبارة التانية دي تسيء للدين المسيحي إساءة بالغة حيث تعتبره دين فاسد أفسد حياة الأوربيين وتسبب في تخلفهم قرونا طويلة إلي أن استيقظوا وهجروه فحققوا ما هم عليه الآن من تقدم ، مش هاقول حاجه من دي ، أنا بس عايز أقول بدل ما نهلفط ونقعد نقترح اقتراحات يمكن أن نكون أول من يقع تحت طائلتها ، بدلا من ذلك لماذا لا نفعل شيئا جادا للمرة الأولي في حياتنا.
 
أولا :
مسألة تشريع عالمي دي مجرد ادعاء وهمي معناه الوحيد هو أننا لا نعرف شيئا عن مدي اتساع حرية الرأي والتعبير في أوروبا ، ولا ندرك أن حرية الرأي والتعبير هذه هي واحدة من أهم عناصر الحياة في أوروبا ، ويبدو أننا بهذا الاقتراح نريد أن نصادر هذه الحرية ونفرض عليهم طريقتنا في قطع الألسنة (لا تجادل يا أخ علي) وننشر هناك انغلاقنا ونحرم الأوربيين من أهم ميزة حضارية وإنسانية حصلوا عليها بعد معاناتهم المرعبة تحت الحكم الكنسي في عصور الظلام.
 
ثانيا :
الأوربيون انتقدوا ديانتهم المسيحية بطريقة أوسع وأكثر عمقا وموضوعية وأشد سخرية مما فعل بعض مشايخنا ومتعصبينا الذين  هاجموا المسيحية بطريقة سطحية أحيانا، وبذيئة أحيانا ، وفي كثير من الأحيان يهاجمونها من منطلق الكراهية التي وصلت إلي حد الرغبة في غزو البلاد التي تدين بها وسبي نسائها وإذلال شعوبها وإجبارهم علي دفع الجزية .
 
ثالثا :
أوربا لم تتقدم حين أعطت ظهرها للمسيحية كما نتوهم نحن أو ندعي أو نحاول الظهور بمظهر المتثاقف الذي يعرف تاريخ أوروبا وإنما تقدمت حين أعطت ظهرها لرجال الدين ، تقدمت أوروبا حين أخرجت رجال الدين من السياسة ومن الاقتصاد ومن منظومة القوانين وحررت عقل الأوربيين من خرافاتهم ومنعتهم من التدخل في الحياة الشخصية للمواطنين وأحاطت الفكر والفن والثقافة والعلم والإبداع بسياج من الحرية الكاملة . 
 
إللي عايز أقوله هو إن إحنا بدل ما نقعد نهلفط ونخبّط ونحاول نداري بلاوينا باقتراحات وهمية لماذا لا نبدأ في عمل شيء نزيه ومخلص يجبر الآخر علي احترامنا وتقدير قناعاتنا والوقوف أمام مقدساتنا بإجلال وخشوع ؟! ، لماذا لا نفعل شيئا محترما يخلص الآخر من الخوف منّا ومن الاسترابة من مقاصدنا ويجعلهم يفكرون ألف مرة قبل الإقدام علي السخرية منّا؟!.
 
أوروبا انطلقت من زاوية معينة في تراثها الإغريقي فتحقق لها ما وصلت إليه الآن من رقي علمي وحضاري وإنساني ، غير أن الفلاسفة الأوربيين يقولون : لماذا لا نعود إلي تراثنا الإغريقي مرة أخري ونختار زاوية أخري ثم ننطلق منها لعلنا نصل إلي نتيجة أكثر رقيا وأكثر تقدما مما وصلنا إليه الآن!! .
 
من أي زاوية مظلمة في تراثنا انطلقنا نحن ، هل نحن عميان لا نري بشاعة ما وصلنا إليه من تخلف وغياب العقل وتحجر وقتل وتخريب وشيوع للخرافات وكراهة للآخر وتسفيه للعلم وادعاء بالأفضلية علي بقية خلق الله وهذا الضياع الحضاري الذي اختلطت فيه جميع أوراقنا وصار تعبير ( إجماع العلماء ) هو مرجعيتنا الوحيدة في العلم والأخلاق والسياسة والعلاقات الإنسانية والحب والجنس والتاريخ والموقف من الآخر وتعريف الدولة وشكل السلطة وحتي نظرتنا إلي الحياة؟!!.
 
ربما يأتي يوم نصحو فيه من هذا الكابوس ونقرر العودة إلي التراث نفرزه ونفتش فيه بنزاهة وعقلانية عن زاوية مضيئة وما أكثر هذه الزوايا فيه فهناك ابن رشد والفارابي وابن طفيل وابن خلدون ومحمد بن أبو بكر الرازي وابن سينا والمعتزلة وغيرهم كثيرون ثم ننطلق منها لعلنا نبدو أمام العالم بوجه آخر بدلا من هذا الوجه الكئيب الذي يقدس الموت ويحتقر الحياة ويجعلنا ندعو الله في كل صلاة ألا يجعل الحياة أكبر همنا في الوقت الذي خلقنا الله لنجعل الحياة أكثر جمالا وأكثر إشراقا وأكثر طمأنينة ولكي نعمرها بالحب والألفة والحرية والسلام.