جرجس ميكائيل
كان الموآبيون يسكنون الهضبة الواقعة شرق البحر الميت، وهم نسل إبنه لوط الكبرى من لوط نفسه و الذى سمته موآب ومعناه "من هو ابوه"، أى ان الموآبيين و الإسرائيليين من جد واحد هو تارح ابى ابراهيم، لان لوط كان ابن أخ لإبراهيم.

وقد عبد الموآبيون ألهة وثنية قد تشاركوا فيها مع الكنعانيين مثل "بعل فغور" "عشتاروت" و"كموش" و كانت عباداتهم تتضمن تقديم الذبائح الحيوانية و ايضا البشرية ثم يعقبها حفلات تعج بالكثير من الخطايا و الفجور.

ولما كانت موآب قريبة لبنى إسرائيل فلما حدث جوع فى الأرض، ذهب رجل اسمه أليمالك وزوجته وإبناه من إفراته ليتغربوا فى أرض مؤاب و حدث ان أليمالك مات فى أرض غربته، فأخذ محلون و كليون ابناه إمرأتين لهما من بنات موأب إسم واحدة عرفة و الأخرى كان إسمها راعوث، وبعد فترة من الزمن تقارب العشرة سنوات، مات كلا من محلون و كليون فسمعت أمهما "نعمى" ان المجاعة قد انتهت فى اسرائيل، فلملمت حالها لترجع الى وطنها إسرائيل فى بيت لحم، و العجيب فى الأمر ان كنتاها الإثنتان عرفة و راعوث، همتا بالرجوع مع نعمى لانهما أحبتاها جدا، فطلبت من كل واحدة ان ترجع الى بيت إمها وأيضا لتتزوج فيكفى مافعلتا كلتاهما مع إبنيها المتوفيين، فرجعت بعد إلحاح .. "عرفة" ببكاء عظيم لأنها أحبت حماتها جدا.

الحماة المحبوبة
أما راعوث فقد فعلت الأغرب، يقول الكتاب "و اما راعوث فلصقت بها" و لم ترضى ان ترجع بل إعتبرت نعمى - حماتها التى احبتها حبا جما - اما لها، وإله العبرانين إلها لها، وأرض إسرائيل موطنها الجديد عن أن تعود الى أهلها وبيتها و أرضها وعباداتها الوثنية الفجة!!

فقالت راعوث لا تلحي علي ان اتركك و ارجع عنك لانه حيثما ذهبت اذهب و حيثما بت ابيت شعبك شعبي و الهك الهي
حيثما مت اموت و هناك اندفن هكذا يفعل الرب بي و هكذا يزيد انما الموت يفصل بيني و بينك.
فلما رات انها مشددة على الذهاب معها "كفت عن الكلام اليها" – راعوث 1 – 16 : 18

لما عادت نعمى ضجت المدينة الصغيرة بالأخبار الجديدة ان نعمى زوجة اليمالك قد عادت، و معها راعوث الموآبية زوجة إبنها المتوفى، فقالت جاراتها أحقا نعمى قد عادت؟ فقالت لهن لا تدعوننى بعد نعمى " اى المتنعمة" بل مرة لأن القدير قد امرنى جدا".

إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً. لِمَاذَا تَدْعُونَنِي نُعْمِي، وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟ (سفر راعوث 1: 21).

كان هناك قريب لأليمالك المتوفى زوج نعمى "جبار بأس" و غنى جدا فى المدينة ورغم ان شعب الله كان قد إبتعد عن شريعته كثيرا فى هذا الزمن - زمن القضاه - إلا انه كانت مازال البعض يعملون بالشريعة وقلوبهم رقيقة وطيبة.

طلبت راعوث من حماتها ان تذهب وتلتقط فى الحقل لأنه كان وقت حصاد الشعير، فقد كانت الشريعة اليهودية تطلب ممن يحصد حقله ان يترك كل مايقع منه فى الحقل و ان يترك زوايا حقله لا يحصدها من اجل الفقراء ليأتوا ويلتقطوا ما لم يحصده أصحاب الحقول وكانت أحيانا ما تحدث مضايقات لهذا الفقير لعدم تنفيذ الشريعة بحذافيرها و أحيان اخرى يتم التحرش بالفتيات - وربما الإيقاع بهن فى الحقول التى تبعد عن المدينة -هؤلاء اللآئى يخرجن لإلتقاط أكلهن - .. فالشعير و الحنطة هما المكون الأساسى للخبز و للبقاء على قيد الحياة ومنه جاءت كلمة #العيش و التى تعنى الحياة.

قامت راعوث بالإلتقاط فى حقل ما وكان الحصادون متعاونين معها، حتى أتى صاحب الحقل وسأل من هذه؟ فقيلت له كل الحكاية.. فجاء إليها "بوعز" صاحب الحقل وأوصى عليها حتى ان تأكل معهم وتلتقط كل ما تشاء، فتأثرت بمعاملته الرقيقة و وقعت على الارض وسجدت له و تساءلت كيف قبلها هكذا وهى غريبة؟

اما بوعز فثمن مافعلته و فقال لها
انني قد اخبرت بكل ما فعلت بحماتك بعد موت رجلك حتى تركت اباك و امك و ارض مولدك و سرت الى شعب لم تعرفيه من قبل. ليكافئ الرب عملك و ليكن اجرك كاملا من عند الرب اله اسرائيل الذي جئت لكي تحتمي "تحت جناحيه".
راعوث 2 : 11 : 12

وأمر غلمانه العاملين فى الحقل لا ان يتركوها تلتقط و حسب بل ان ينسلوا لها من "الشمائل" اى يعطوها من الحزم التى تم حصادها ايضا وكأنها من أصحاب الكرم لا من الفقراء الذين فقط يلتقطوا ما قد وقع سهوا من الحصادين، فكان ما تحصلت عليه فى هذا اليوم بعد "خبطه" - اى فصل الحبوب عن التبن - هو "إيفة كاملة" - اى حوالى خمسة عشر كيلو جراما، فمضت فرحة إلى حماتها بعد ان عملت بجد طوال النهار فى الحقل وأخبرتها عن صاحب الحقل بوعز هذا ... فتعجبت حماتها جدا من تدبير الله وباركت الله وأعلمتها انه "ولينا"!.

الولى
جاءت نعمى الى راعوث بعد ان تم الحصاد لتصارحها انها تريد لها الراحة والخير و ان أيام حزنها على زوجها قد إنتهت، فطلبت منها ان تغتسل وتلبس افضل ثيابها و تتدهن وتذهب الى بوعز حيث انه يزرى الشعير فى بيدره هذا اليوم، و أوصتها ان لا تكلمه حتى ينتهى ويفرغ من أكله ويطيب قلبه وتعرف اين يضطجع وتذهب لتكشف رجليه وتضطجع هى أيضا عند رجليه، ففعلت بالضبط كما قالت حماتها وعند نصف الليل ان بوعز تفاجأ بأن هناك إمراة عند رجليه فصاح من انتِ ؟
فقالت انا راعوث أمتك "عبدتك" فإبسط ذيل ثوبك على أمتك لانك ولىَ.

وهذا بالضبط كطلب الزواج لان الولى هو المسؤول عنها ان يقيم لها نسل من بعد موت زوجها و ان يقوم بفك ميراث اليمالك من الأرض التى قسمت للأسباط ولها طريقة معينه فى الانتقال الى المواريث.

«أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ. فَابْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ لأَنَّكَ وَلِيٌّ» (سفر راعوث 3: 9)

الفكاك اى الخلاص
كان هناك ولى آخر قبل بوعز ولكنه رفض ان يشترى فكاك الارض حتى لا يتزوج راعوث فيقيم نسلا، فتعود الارض الى راعوث وابنها فى المستقبل، فقد كان مهتما فقط بالأرض دون راعوث، لان اليمالك ربما قد باع الأرض او بالاحرى رهنها قبل ان يتغرب، فنعمى لاتستطيع ان تدفع ثمن فكاكها او عليها تنتظر لسنة اليوبيل التى تاتى كل 49 سنة لترجع إليها، لذلك تذهب الارض للولى الذى يستطيع دفع ثمن فكاكها ممن باع له اليمالك..وعليه "الولى" ان يتزوج ويقيم النسل للزوج المتوفى حتى لا ينقرض اسمه ولايضيع ميراثه، وكان هناك عادة ان الولى الاول إذا لم يرد ان يفك يقوم بخلع نعليه امام شيوخ إسرائيل علامة على انه لا يحق له ان يطأ أرض الميت وانه لم يفك – اى لم يخلص – ميراث قريبه فيذهب الفكاك لأقرب ولى الذى هو فى هذه الحالة هو بوعز.

إبسط ذيل ثوبك
قد تبدو القصة فقط لطيفة لكنها تعنى وترمز للكثير فى علاقتنا الشخصية بربنا يسوع، فراعوث تمثل كل شخص اجنبى عن ربنا يسوع المسيح قرر ان يترك الاهل والخطية التى فى العبادات الوثنية ليلتصق بالمسيح "بوعز" الذى له العز والكرامة والغنى.. الكريم و المعطاء وجبار البأس الذى له الجبروت بالحب وليس التسلط... و ان يقع تحت رجليه حيثما اتفق ان يضطجع ويرتاح، فقد كانت راحته الحقيقية فى الصليب، فأتت إليه وحده تطلب الزواج منه لأنه وليها "الحقيقى" وأبيها وزوجها و ان يبسط ذيل ثيابه ليستر عريها بعد ان كشفت رجليه لتقول له انا قريبتك ومنك فأسترنى، فهى التى عملت بجد فى الحقل فإحتملت حر النهار من الصباح الى المساء وإغتسلت بالمعمودية و تدهنت بالميرون ولبست ثياب بر المسيح وجاءت لكى يبسط عليها ثوب نعمته ويعطيها من مواهب وعطايا الروح القدس فصلحت لمملكة بعد ان كانت مدوسة فى الحقل...فى لقاء سرى وصلاه فى المخدع بينها و بين حبيبها تكشف لا رجليه فقط بل أعماق الله بروح الله الساكن فيها، فهى النفس الفقيرة التى جاءت تلتقط الفتات فأعطاها ان تأكل مع عبيده وان تمد يدها الى مايأكله البنون الفريك المحمص أى جسده المقدس الذى طالته آلام الصليب وان تغمس لقمتها فى الخل الممزوج بالزيت و الخمر الذى هو دمه المبارك الكريم وهى الغريبة الجنس "الموآبيه" الذى حالها كحال الفينيقة التى اتت إليه فقبلها و إمتدح عظم إيمانها وهى النفس التى لسان حالها يقول "ابى و امى تركانى و اما الرب يضمنى" فضمها تحت جناحيه كدجاجة تغطى افراخها حبا و عطفا وواعطاها مكان و مكانه لتوجد فى المسيح يسوع كإبنه، فبسط ذيل ثوبه هذا الذى لمسته نازفة الدم فبرئت لان قوة كانت تخرج منه فتشفى جميع الناس - لذلك نقبل ستر الهيكل -

فهو لا يبسط ذيل ثوبه علينا فقط بل يتحد بنا، فهو المسيح بوعز اى رمز العز والغنى الذى يدفع عنا ويعيد و يرجع لنا ميراث اراضينا الروحية لنرث ارضا سماوية بدلا من الفردوس الارضى.. لان ميراثى ثابت لى... ويقيم لنا نسلا و اسما، فيقيمنا أعمدة فى كنيسته وفى ملكوته، فراعوث الموأبية الغريبة الجنس، أصبحت جدة داود الملك وبالتالى جدة لربنا يسوع المسيح بالجسد.

فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي.... وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ حز 16 – 6 : 13
فيا كل مر النفس وكل من تحت وطأة تجربة او إمتحان صبر او تذكية ايمان أو قد خانتك الأيام والأصحاب وتركك الأهل والأب و الأم، الى كل وحيد يعانى والى كل من تجرع طعم الغربة حتى فى وسط بيته ومن تغرب فى إثم وخطية إرجع الى ولَّيكَ وأبيك وخالقك جبار البأس الكريم فى العطاء و السخى جدا فى التوزيع وإسجد تحت صليبه وإطلب منه بإيمان ان يبسط ذيل ثوبه عليك فهو وليك ومخلصك وحبيب نفسك الأقرب حتى ولو رفضت ممن كنت تظنهم وليك الأقرب، لأن الشتاء قد مر وزال...إنه وقت الحصاد فإفرح 😊😃.

#إبسط_ذيل_ثوبك_على_امتك_لأنك_ولى #الشتاء_مر_و_زال #وقت_الحصاد #راعوث #نعمى #بوعز