نجيب محفوظ
أحتجب ضوء القمر...أمسى الجو شديد البرودة...و لكنه عاد يصطحب عصاه...يشق طريقه بين الأشجار...بعد أن جمع بعض فروع الأشجار التى ستحترق لتبعث الدفء فى أرجاء المكان...قاصدا كوخه الخشبى ...أشعل المصباح...و دعانى للجلوس معه..."فيما تريد أن نتحدث اليوم؟...أريد أن أتحدث عن أبى...هل تشتاق لرؤياه؟...نعم يا جدى فأنا أفتقده بشدة...كم وددت لو كان معنا الليلة...و لكن با ترى هل إشتياقه لرؤيانا ما زال ينبعث فى داخله...أرى أنك تريد أن تتسائل عما إذا كان على قيد الحياة"...طرق الباب قاطعا الحديث...فإزداد إشراق الأمل...هل ما كنا نبتغيه صار واقعا...أطفأ جدى المصباح...و ذهب ليفتح...و هنا حدثت المفاجأة.
 
تسمرت قدماه...و لم ينطق بلفظ واحد...سمعت صوتا يقول:نحن جنود أمريكان...ضللنا الطريق و معنا جندى جريح...فهل تأذن لنا بالدخول لقضاء الليل؟...و بينما ينتظر منه الرد رأه صامتا مترددا...فكيف يأذن لهم و هم أعدائنا فى الحرب...فنحن ألمان و هم أمريكان!...و لكنه فى النهاية قطع التردد...و أشار لهم بالدخول...جلس الكل...أما هو فشرع فى إسعاف الجريح...و بعد إسعافه جلس ليسألهم عن كيفية وصولهم إلى الغابة؟...فأجابه أحدهم بأنهم كانوا فى مهمة عسكرية مع الكتيبة و لكنهم ضلوا الطريق...فظل الأعداء يطاردونهم حتى أصابوا أحدهم...و لكنهم أستطاعوا الهروب الى الغابة و التخفى بين الأحراش الى أن وصلوا إلى هذا المكان.
 
رحب جدى بهم و أعرب عن إستعداده لخدمتهم...و لكن قبل أن يذهب لأعداد الطعام سمع جرس الباب مرة أخرى...فذهب ليجد هذه المرة جنود ألمان...أرخى الليل سدوله غليهم قبل وصولهم الى معسكرهم...و يطلبون المبيت إلى مطلع النهار.
 
كانت المفاجأة مدهشة...و لكنه لم يتردد بل أذن لهم بالدخول بعد أن تحدث معهم قليلا و طلب منهم ترك أسلحتهم...و دخل ليأخذ من الأمريكان أسلحتهم.
 
كانت هذه الليلة ليلة عيد الميلاد المجيد...ليلة أن جاء الفادى الحبيب من أجل الأمريكان و الألمان...بل ليلة ميلاد يسوع المسيح الذى جاء من أجل البشرجميعا.
 
أخذ الكل يساعدونه فى تجهيز طعام العشاء...و بعد أن فرغوا من إعداده جلسوا معه على المائدة...بدأ جدى فى الصلاة...و قبل أن يمد يده ليمسح دموعه...نظر حوله فوجد الدموع تسيل على وجوههم.
 
عبر الليل و طلع النهار...مع إستعداد الطرفان لمغادرة المكان...و كان الأمريكيون يشيرون على الخريطة إلى الأتجاه الذى يسيرون فيه...فسمعهم أحد الألمان و فال لهم:"  لا تسيروا فى هذا الأتجاه لأن به ألغام بل سيروا فى أتجاه الغابة"...شكر الجنود الأمريكان الجنود الألمان...و ذهب الكل لتقديم الشكر و العرفان لجدى فقال لهم:"حسنا ان يؤدى الأنسان دوره فى خدمة وطنه...و لكنه يجب ألا ينسى أنه انسان".
 
و مع أجراس الكنائس...قلت له:"عيد ميلاد مجيد"...ثم ذهبت معه الى الكنيسة.