بقلم : فاروق عطبة 
استمر حكم أسرة محمد علي باشا لمصر في الفترة ما بين 1805م حتي 1953م وامتد حكم الأسرة إلي السودان أيضا، بالإضافة لبلاد الشام والحجاز خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر.
 
    بدات بحكم محمد علي باشا بعد طرد الحملة الفرنسية من مصر. حكم محمد علي مصر التي كانت إيالة عثمانية منذ القرن السادس عشر الميلادي لـ 43 عاماً ( 1805-1848م) وهذه المدة هي أطول فترة حكم في تاريخ مصر الحديث، والثانية في تاريخ مصر. ويعد "أبو مصر الحديثة" وأهم حكام سلالته، نظراً للإصلاحات الزراعية والإدارية والعسكرية الضخمة التي فرضها في البلاد. تمكن محمد علي ياشا من توطيد سيطرته على مصر، وأعلن نفسه الخديوي على البلاد. رفض الباب العالي العثماني الآعتراف بهذا اللقب، واعترف له بلقب أقل من الخديوي، وهو والي مصر في 18 يونيو 1805م خلفا لأحمد خورشيد باشا.
 
    يعد منصب الخديوي أرفع مناصب الحكومة المصرية في مصر العثمانية، ويخاطب صاحب هذا المنصب بلقب الصدارة العظمى "فخامتتلو".(خديوي كلمة فارسيّة معناها: السيد أو الأمير مشتقة من "خنا").
 
1ـ كانت فترة حكم ابنه إبراهيم باشا (وهو الإبن الأكبر له) أقصر فترة حكم في السلالة. وعلى عكس ماقد توحي فترة حكمه القصيرة، فإن  إبراهيم باشا بعيد كل البعد على أن يكون شخصية مهملة تاريخاً أو ليست ذا أثر، بالرغم من أن أغلب إنجازاته تمت في فترة حكمه تحت الوصاية وقبل صعوده علي العرش. تولى حكم مصر بفرمان من الباب العالى في مارس 1848م نائبًا عن أبيه في حكم مصر وكان أبوه لا يزال حيّاً، إلا أنه كان قد ضعفت قواه العقلية، وفي 2 سبتمبر 1848م عين واليا على مصر لكنه لم يعمّر كثيرا وإجمالي فترة حكمه سبعة أشهر ونصف، توفى وهو لم يتجاوز الستين من عمره في نوفمبر 1848م.   
 
 2ـ أما خليفته عباس حلمي الأول ابن أحمد طوسون باشا بن محمد علي باشا. كان في جدّة عندما توفي عمه ابراهيم باشا فاستُدعي إلي مصر ليخلفه على سدة الحكم تنفيذًا لنظام التوارث القديم الذي يجعل ولاية الحكم للأرشد فالأرشد من نسل محمد علي. تولى سدة الحكم في 24 نوفمبر سنة 1848م. لم يرث عن جده مواهبه وعبقريته، ولم يشبه عمه إبراهيم في عظمته وبطولته، بل كان قبل ولايته الحكم وبعد أن تولاه خلوًا من المزايا والصفات التي تجعل منه ملكًا عظيمًا يضطلع بأعباء الحكم ويسلك البلاد سبيل التقدم والنهضة. كان بعكس  محمد علي باشا وابراهيم باشا لم يكن له شأن في حرب أو سياسة. وصفه اللورد كرومر بأنه كان "أسوأ" المستبدين الشرقيين، لأنه أوقف العمل بجميع الإصلاحات التي تمت قبله، مما يجعله الحاكم الأكثر إثارة للجدل في عائلة محمد علي. ظل واليا لمدة خمس سنوات ونصفًا، كان خلالها غريب الأطوار كثير التطيّر، فيه ميل إلي القسوة وسوء الظن بالناس، ولهذا كان كثيراً ما يأوي إلى العزلة ويحتجب بين جدران قصوره التي كان يتخير لبنائها الجهات الموغلة في الصحراء أو البعيدة عن الأنس. حيث بنى قصرًا بصحراء الريدانية التي تحولت إلى العباسية أحد أشهر أحياء القاهرة والتي سميت بإسمه وكانت في ذلك الوقت في جوف الصحراء، كما بنى قصرًا آخر نائيًا في الدار البيضاء الواقعة بالجبل على طريق السويس ولا تزال آثاره باقية إلي اليوم. كما بنى قصرا في بنها على ضفاف النيل بعيدا عن المدينة، وهو القصر الذي قتل فيه. سعى إلى أن يغير نظام وراثة العرش ليجعل ابنه إبراهيم إلهامي باشا خليفته في الحكم بدلًا من عمه محمد سعيد باشا ولكنه لم يفلح في مسعاه ونقم علي عمه سعيد الذي كان بحكم سنه وليا للعهد واتهمه بالتآمر عليه، واشتدت بينهما العداوة مما اضطر سعيد باشا للإقامة بسراي القباري بالاسكندرية. ولعدم حاجته للإصلاحات أو إقامة المشاريع قد تضاءل النفود الفرنسي في عهده وقام بإقصاء معظم الخبراء الفرنسيين من مصر. وعلى العكس من انحسار النفوذ الفرنسي، فقد بدأ في عهده النفوذ الإنجليزي على يد القنصل البريطاني مستر "مري" حيث كان له تأثير كبير عليه وله عنده كلمة مسموعة. كان يستعين به وبالحكومة الإنجليزية ليمنع تدخل الدولة العثمانية في شؤون مصر. وقد مات اغتيالا في قصره ببنها في 13 يوليو سنة 1854م وخلفه عمه محمد سعيد باشا.
 
 3ـ تولي محمد سعيد باشا (الابن الرابع لمحمد علي باشا) وكان ذو نزعة غربية حيث تلقى تعليمه في باريس. حكم مصر من 24 يوليو سنة 1854م حتي 18 يناير سنة 1863م تحت حكم الدولة العثمانية. أهم أعماله:
 ـ تأسيس البنك المصري عام 1854م.
ـ إعطاء فرديناند دي لسبس الموافقة علي حفر قناة السويس، حيث منحه عقدين لامتياز قناة السويس. كان الامتياز الأول نوفمبر 1854 يقضي بمنحه امتياز تأسيس شركة عامة لحفر قناة السويس واستثمارها لمدة 99 عاما من تاريخ افتتاح القناة للملاحة، الامتياز الثاني في يناير 1856م جاءت شروطه مجحفة لمصر والمصريين حيث كانت أهم شروطه إضافة لحق انشاء القناة: تتنازل الحكومة المصرية للشركة مجـانا عن جميع الأراضي المملوكة لها والمطلوبة لإنشاء قناة السويس وترعة الإسماعيلية، مد الامتياز 99 سنة تبدأ من افتتاح قناة السويس وتصبح القناة بعدها للحكومة المصرية، يكون أربع أخماس (80%) العمال من المصريين (أصبح ذلك شرط إلزاميا على الحكومة المصرية للشركة)، تحصل مصر على 15% من صافي الأرباح مقابل الأراضي والامتيازات الممنوحة للشركة، يصدق السلطان العثماني على امتياز حفر قناة السويس شرطا لصحته.
 
ـ قام بإعلاق المدارس العليا التي أنشأها محمد علي باشا لإيمانه بأن قيادة أمة جاهلة أسلس من قيادة أمة متعلمة.
ـ قام بتخفيض الضرائب على الأراضي الزراعية، وأسقط المتأخرات عن الفلاحين ومنحهم حق تملك الأرض وذلك طبقًا لقانونه الشهير "اللائحة السعيدية" الصادرة في 5 أغسطس سنة 1858م؛ كما ألغى ضريبة الدخولية التي كانت تجبى على الحاصلات والمتاجر، وكانت مصدر إرهاق للأهالي وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار واشتداد الغلاء فكان إلغاؤها تخفيفا عن الأهالي وتحريرا للتجارة الداخلية. 
 
ـ تطهير ترعة المحمودية، وانشاء ترعة الاسماعيلية لربط النيل بالقناة.
ـ إتمام سكة حديد القاهرة- الاسكندرية والذي بدأ العمل به في فترة حكم عباس حلمي الأول، كما مد الخط الحديدي بين القاهرة والسويس الذي فُتح للمواصلات سنة 1858م فعاد على ميناء السويس وعمرانها بالفوائد الجمة.
ـ اهتم بالملاحة التجارية الداخلية والخارجية، فأنشأ شركتين للملاحة، نيلية أسسها عام 1854م، وأخرى بحرية أسسها عام 1857م.
ـ قصر مدة الخدمة العسكرية ثم عممها على جميع الشبان على اختلاف طبقاتهم، فجعل متوسط الخدمة سنة واحدة وبذلك أدخل في نفوس الناس الطمأنينة على مصير أبنائهم المجندين، والسماح لأولاد وأقارب مشايخ القرى بدخول الجيش و كان منهم احمد عرابى وأمثاله في سلك الجندية الأمر الذي أدى إلى صدام بين المصريين والشركس في عام 1881م وقرار الخديوي توفيق بالاستغناء عن الضباط المصريين مما أدي لهوجة عرابي ثم الاحتلال الانجليزي لمصر.
ـ أصدر لائحة المعاشات للموظفين المتقاعدين.
ـ أصلح مجلس الأحكام وقام بعدة تغييرات في هيكله، كما أصلح القضاء الشرعي.
ـ منع نقل الآثار المصرية إلى الخارج التي كانت نهباً لتجار الآثار والمغامرين، وأمر بجمعها في مخازن أعدت لها في بولاق.
ـ أنهى الاختلاط الذي كان متبعًا في التقويم، حيث كان هناك التقويم الهجري والميلادي والقبطي، فحدد لكل وظيفته. 
ـ ألغى دفع الجزية على أقباط مصر. 
ـ اعتمد سعيد باشا على رؤوس الأموال الأجنبية فاستدان من البيوت المالية الأوروبية وبذلك بدأت الأزمة المالية حيث عقد في 1862م أول قرض من أحد البنوك البريطانية ثم اندفع سعيد باشا بعد ذلك في الاستدانات فلجأ للمرابين يستدين منهم مقابل سندات على الخزانة المصرية، وبذلك شهدت مصر في عصره بدايات التدخل الأجنبي.
 
ـ خاضت مصر في عهد سعيد باشا حربين الأولى حرب القرم التي استمرت بعد وفاه عباس باشا وأرسل سعيد باشا نجده إلى الجيش المصري واستطاعت تركيا وحلفائها بفضل بسالة الجيش المصري التفوق على الروس وإبرام الصلح بينهما سنة 1856م في مؤتمر باريس. أما الحرب الثانية هي حرب المكسيك بأمريكا اللاتينية "ولم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل"، بسبب ميوله نحو إمبراطور فرنسا نابليون الثالث وصداقته له أن يلبي دعوته حينما طلب إليه أن يمده بقوة حربية مصرية تعاون الجيش الفرنسي بها، فأمده بأورطة مصرية سودانية في 8 يناير عام 1863م. 
 
توفي محمد سعيد باشا بالقاهرة في 18 يناير 1863م "41 سنة" بسبب مرضه بداء السُل ودفن بجوار أمه (عين حياة قادين) بالصالة الكبري بمسجد النبي دانيال بالاسكندرية وتولي الحكم بعده اسماعيل باشا.