مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
عند الحديث حول جهود الإصلاح والعبور إلى دنيا التنوير ، كان بروز دور الإمام محمد عبده وجهوده وخطواته في هذا السياق محصلة طبيعية لتتابع أحداث تاريخية ، وإرهاصاتها الأولى مع قيام الدولة الحديثة في مصر ، ولحركة شعبية تناضل وتعيش معارك طويلة قام بها من تقدموا لتشكيل مجلس شورى النواب عام 1866م ، وكانت بمثابة إعلان لتشكيل مفهوم "المواطنة المصرية " ، فقد وقفوا إلى جانب الخديو إسماعيل بوصفه حاكمًا لمواجهة تحديات مصر وقتها بوصفهم مواطنين .

وعلى البر المقابل على الأرض المصربة كان ظهور البابا كيرلس الرابع المعروف بأبي الإصلاح ، والذي لم يعن فقط بالإصلاح الكنسي الداخلي إنما جهوده امتدت إلى الإسهام في تحديث وتطوير بنيان المجتمع المصري ، والتي من بينها إستقدامه ثاني أهم مطبعة عرفتها مصر بعد مطبعة محمد علي باشا وأول مطبعة أهلية ، بجانب اهتماماته بالتعليم وإنشاء المدارس .

لقد كان بروز الدور الإصلاحي في تلك الأونة محصلة طبيعية لحالة تراكم للفعل الثقافي والتنويري التي امتد أثرها من زمن محمد علي ، ولايمكن فصل تلك الحالة عما كانت تشهده البلاد عن الواقع الإنساني المعاش ، فكان التحرك نحو الإصلاح في زمن الاحتلال مدفوعًا بتحريك المؤسسات الدينية المستنفرة لمواجهة " الفرنجة " ..

توقفت عند تلك الإطلالة من أزمنة الإصلاح وأنا ألتقي لأول مرة الكاتبة التنويرية المتميزة د. أماني فؤاد أستاذ النقد الأدبي بأكاديمية الفنون المصرية على طاولة برنامج "ستوديو التنوير " والتي أشارت بانفعال لأثر الخطاب الديني في منطقتنا العربية على الثقافة و جهود التنوير بالسلب للأسف ..وطرحت علامات الاستفهام التالية .. كيف يستعبدنا الآخرون المحدودو الثقافة والعلوم باسم الدين ؟ .. وكيف نرضخ تحت وطأة تسليم العقل هكذا ؟ ..كيف يعدون الجدل والسؤال والنظر والتفكر والمراجعة من الكفر وأعمال الشيطان ؟.. كيف يسيطر بعض رجال الدين على عقول البشر على هذا النحو الذي يجعلهم يقنعون البشر البسطاء بقتل الآخرين المخالفين لهم في العقيدة .. أية قيم إنسانية ينطلقون منها ؟ وكيف يمارسون هذا التأثير على الآخرين ؟!

وفي معرض إجاباتها أكدت د. أماني على خطورة تفشي هذه الظواهر التي فيها تحتكر الحقائق في رجال كل الأديان ، ما لم تتدخل السلطة السياسية والجموع في تجديد وإزاحة تلك الخطابات ، وذكرتنا بصنيع " راسبوتين " في المجتمعات الغربية أيضًا في زمانه ، وأضافت : لقد استطاعت النهضة الأوروبية أن تنجز أهدافها حين انفصلت الكنيسة وكهنوت رجالاتها عن الحياة السياسية والعامة فانطلق العقل البشري بعيدًا عن مكبلاته .

وياسيدتي التنويرية لا أجد في علامات الاستفهام التي طرحتيها ، سوى التأكيد على أنه هناك أديان كثيرة على وجه الأرض ومعتقدات أكثر وأسئلة وصراعات وألغازتجاه الوجود والخالق ، وكل شخص لديه إيمان مطلق أنه الوحيد الذي على حق ، وينظر للآخرين باستعلاء استفزازي تام وسخرية .. لكن يبقى في النهاية الإله الحقيقي هو الإله الذي يقدر أن يغير حياة الإنسان إلى الأفضل ..
نقلا عن المصرى اليوم