هذا سؤال مشروع، وما دفعنى إليه هو أننى وجدت الشيخ الجليل يضع فى تشكيل هيئة كبار العلماء الأزهرية أستاذًا كبيرًا من أساتذة الإخوان، وعالمًا من علمائهم، وقياديًا تاريخيًا لهم هو الدكتور حسن الشافعى، الذى دخل السجن ثلاث مرات فى زمن عبدالناصر، مرة عام 1954 على إثر محاولة اغتيال الإخوان عبدالناصر، ومرة أخرى عام 1964 ومرة ثالثة عام 1966، وظل الشافعى إخوانيًا لم يتركهم إلى الآن.

وقد طرأ هذا السؤال على ذهنى أيضًا عندما رأيت الإمام الأكبر الجليل يضع فى هيئة كبار العلماء الأزهرية الشيخ الإخوانى التليد محمد الراوى، الذى كان أكثر من يحاضر الإخوان فى لقاءاتهم الدورية فى الكتائب والمعسكرات، والذى كان أكثر من يتم الاستعانة بهم إخوانيا لتدريس أفكار البنا وقطب على شباب الإخوان الجدد.

ولك أن تتحدث عن الدكتور محمد عمارة الإخوانى قلبًا وقالبًا، صاحب المقالات والحوارات التى أثارت فتنة فى مصر، الذى كتب بيانا قال فيه إن ثورة يونيو ما هى إلا انقلاب على الإسلام نفسه، وبالرغم من تطرف هذا الرجل، إلا أن شيخ الأزهر الجليل اعتبره واحدًا من المجددين ووضعه فى كل مكان شاغر فى مؤسسات الأزهر، مجمع البحوث الإسلامية تارة، أو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ثم أخيرًا فى مقره الأخير، متوسدًا أريكة هيئة كبار العلماء، لا يرتضى بها بديلا، وما خفى بعد هؤلاء من هيئة كبار العلماء كان أعظم وأخطر!.

وقد كان يكفينى ما سلف للإجابة عن سؤال حول تأثر الشيخ الإمام بالإخوان وأئمتهم، إلا أننى رأيت أشياء أثارت دهشتى، وعجبى، وريبتى، ولم يُزل أحد تلك الريبة، وكيف يزيلها وآثارها بائنة بينونة كبرى، فذات يوم أمسك شيخ الأزهر الجليل أحمد الطيب قلمه وكتب يشيد بأستاذه سيد قطب، الذى تأثر به وبأفكاره على أساس ـ وفقا لما كتبه شيخ الأزهر ـ أن قطب «واحد من عظماء مفكرى مصر، الذين صمدوا للفكر التغريبى الوافد من شرق ومن غرب، وكشفوا عن كثير من عوراته ونقائصه ونقائضه أيضًا، وبينوا للتائهين من القراء والشباب مواطن الضعف والتهافت فى هذه المذاهب السياسية والاقتصادية من اشتراكية ورأسمالية ومدنية وليبرالية، وكيف أنها مذاهب هدامة».

ثم كان أن أمسك شيخ الأزهر الطيب أحمد الطيب قلمه وهمّ بالكتابة ثم طرأ له طارئ، فنظر إلى القلم قليلا ثم نحاه جانبا واستغرق فى أفكاره، الآن ينبغى أن يصبح بحق رائدا من رواد الاستنارة، لا ينبغى له أن يخاف من أحد، أو يجفل من سطوة أحد، فهو الشيخ، وهو الإمام، وسيكتب عنه التاريخ، كلنا رجالك أيها الشيخ فَقُدنا وكن إمامنا فى قافلة الاستنارة والتجديد، عاد الشيخ إلى قلمه وقدح زناد فكره ثم كتب: «ما كتبه الأستاذ الشهيد سيد قطب من كتب يصور فيها عدالة الإسلام تقف دونها الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية فى الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية حسرى كليلة الطرف» يا سلام أيها الشيخ الطيب، أهكذا!! كل الأنظمة تقف حسرى كليلة الطرف، مُتعبة متقطعة الأطراف أمام ما شرحه لنا شهيدك سيد قطب!!.

وفى ذات الكتاب أمسك شيخ الأزهر الطيب قلمه وكتب منتقدا الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فهو الذى هاجم الإخوان وحبسهم ثم انتصر للمذهب الاشتراكى الذى تحولت إليه مصر فى الفترة من 1954 إلى1970 قائلاً إنه و«إن كان مذهبًا اقتصاديًا بحتًا فى تطبيقاته المالية إلا أنه مذهب ذو جذور فلسفية وأيديولوجية، وله فى بلاد المنبع والنشأة موقف معلن من الدين»، ثم نعى على تلك الفترة كاتبا: «هكذا عشنا نحن طلاب الأزهر فى هذه الحقبة، تهب علينا الرياح الثقافية العاتية من شرق أوروبا وغربها، وكنا بين طريقين: إما فتح النوافذ لهذه الرياح ومعاناة الاغتراب، وإما الانغلاق فى مقررات التراث ومعاناة الاغتراب كذلك، ولم ينقذنا من هذا الصراع إلا هذه النخبة من عظماء مفكرى مصر، الذين صمدوا لهذا الفكر الوافد من شرق وغرب، وكشفوا عن كثير من عوراته ونقائصه ونقائضه أيضًا، وبينوا للتائهين من القراء والشباب مواطن الضعف والتهافت فى هذه المذاهب، وكيف أنها مذاهب هدامة.

وهكذا قيّض الله لشيخ الأزهر أن يعيش منكبا على كتب التراث يلوذ بها من هجمات الغرب الفكرية، ثم أنقذه الله من فلسفات الغرب العاتية حينما وقفت نخبة من العلماء تصد عنا غوائل الغرب وعلومه وثقافاته، وكان من أئمة هؤلاء العلماء بالطبع أستاذه سيد قطب، الأستاذ الشهيد كما كان يحب أن يصفه، وقد كان من الممكن أن يكون ما كتبه الشيخ الجليل مضافا إلى الماضى، نعم فنحن طوال حياتنا نغير ونتغير، وقد يكون ما كتبه شيخ الأزهر فى هذا الشأن من أفكاره القديمة التى تركها وأدرك خطأها، ولكنه للأسف كتبه فى كتابه «التراث والتجديد مناقشات وردود»، والذى تم نشره كملحق لمجلة الأزهر فى عدد فبراير 2015، أى أن هذه الأفكار لايزال الشيخ متمسكًا بها تمسكه بمنصبه كشيخ للأزهر رغم كراهية الشعب للإخوان ولسيد قطب ولكل من يتعاطى أفكارهم.

ألم يكن ما سلف كافيا لإعطائى الحق فى توجيه سؤالى بتبعية الشيخ للإخوان فكريا؟.. قد لا يبدو فى عين البعض كافيًا، ولكن ما يسد عين الشمس هو ذلك اليوم الذى أمسك فيه شيخ الأزهر قلمه وكتب بيانًا عن فض اعتصام رابعة العدوية، استنكر الشيخ الإمام فض الاعتصام، وطالب الأطراف.. الدولة.. وعصابة الإخوان الإرهابية.. بضبط النفس والاستجابة لجهود المصالحة، واستنكر سيادته قتل الأبرياء وإسالة الدماء الذكية!!، وأنكر وقلمه يرتعش من الخوف علمه بإجراءات فض اعتصام رابعة!، وطالب الجميع بعدم إقحام الأزهر الصراع السياسى!! إذ وفق ظنه المستتر وراء عبارات البيان أن ما كان يحدث فى مصر هو مجرد صراع سياسى وليس ثورة شعب!!، ولعلك تلاحظ زيادة علامات التعجب التى أظنها كافية للحكم على المشروع الفكرى لمولانا.

ورغم ذلك فإن رئيس جمهوريتنا، الذى أحببناه وفوضناه ووثقنا فيه وفى مشروعه الوطنى، لايزال يثق إلى الآن فى قيادات الأزهر وهيئة كبار العلماء فيها وإمامها الشيخ أحمد الطيب!! طيب!.
نقلا عن جريدة الد ستور