كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
لعل من الجوانب الإيجابية القليلة الهامة عقب حدوث جائحة " كورونا " أنها نبهت العالم بقوة لأهمية البحث العلمي بشكل عام ، وفي مجال الصحة والتعليم الصحي وصناعة الدواء والمستلزمات الطبية والأجهزة المعاونة للقياس والتحليل والتشخيص بشكل خاص ..
 
وفي هذا الصدد  لا ينكر أحد أن الجامعات في مصر قد قامت بدور رائع في بناء الذات القومية ، وتكوين اللبنات الأهم في تشكيل الهوية الثقافية للإنسان المصري ، وتنمية الوعي السياسي والأخلاقي والقيمي لديه ، وإعلاء مشاعر الانتماء العليا للوطن في مراحل معينة في تاريخ مصر..
 
إنطلاقاً من ذلك التفهم لماهية الجامعة ودورها كان لموقع أول جامعة في مصر ( المكان الجغرافي )  منذ بداية النشأة تلك الهالة من الاحترام والتبجيل في نفوس المنتمين إليها حتى أصبحنا نطلق علىه مصطلح " الحرم الجامعي " تشبهاً بمواقع العبادة في إشارة لأهمية الحفاظ عليها من غارات الفساد والمفسدين ..
إن المجتمع الجامعي ، وبعد مرور قرن من الزمان على إنشاء الجامعة الأم ، بات من المفروض تراكم مجموعة رائعة من  القيم الإيجابية الرئيسية لدينا لعل من أهمها : الحفاظ على المسئولية الأخلاقية للأستاذ الجامعي ، والدفع نحو اتساع مساحة الحرية الأكاديمية والبحثية والمنهجية وإعلاء مبادئالاحتفاء بالعلم ومنتجاته ، وإعمال الفكر الحر ،والمعرفة والممارسة الديمقراطية ، ونقل الخبرات والبحث عن القدوة والمثل الطيب ..
 
من بين القصص الطريفة التي يحفل بها تاريخنا العربي في هذا السياق ، هو ما حدث للسيدة " زبيدة " زوجة هارون الرشيد وابنة عمه ، وذلك عندما كانت تطل من نافذة في قصرها في مدينة " الرقة " على نهر الفرات ، فقد وجدت حشدًا كبيرًا من الناس يتجمعون على شاطئ النهر ، فسألت في دهشة عن سبب هذا التجمع الكبير ، فقيل لها إن الناس اجتمعوا للترحيب بأحد كبار العلماء الذي وفد إلى مدينة " الرقة " على ظهر سفينة حملته من بغداد ، فقالت " زبيدة " : هذا هو العز .. لا عزنا .. تساق إليه الناس بالسياط .
 
وما أجمل ما قالته " زبيدة " وما أصدقه ، فعز العلماء قائم على اختيار الناس ومحبتهم وإقبالهم الذي ليس فيه فرض ولا إرغام ، وهذا هو " العز " الحقيقي لأنه نابع من القلوب المتحررة من كل الضغوط ، أما عز السلطة والجاه والسياسة والنفوذ فهو " عز " تساق إليه الناس بالسياط ، كما تقول السيدة " زبيدة " وهي في قولها على حق ، فهو " العز " الذي يتحقق بمحبة الناس وعواطفهم الاختيارية الصادقة ..هو " العز " الكريم الذي تحقق للعالم العربي القديم عندما سعى إليه الناس واحتشدوا لاستقباله في مدينة " الرقة " عاصمة الرشيد الصيفية على نهر الفرات ....
 
ولعل كارثة " كورونا " تكون قد نبهتنا لأهمية العمل الجاد في مجال تقدم " االإعلام العلمي " لإثراء الوعي العلمي لدى المواطن المصري ..... عيب والله افتقادنا لقنوات وبرامج وجرائد ومجلات علمية محترمة ومفيدة تقدم للبسطاء منا المعلومة العلمية والمادة الإعلامية التي تحذر من أخطار تجار الدجل والخرافة والشعوذة باسم الإعجاز الديني بعد أن صارت لهم قنوات ومطبوعات في غاية الخطورة ..الأمر جد خطير يا أصحاب القرار..