مراد وهبة
هو مصطلح وارد فى الدستور الجديد الذى سيطرح على الاستفتاء فى الجزائر فى الأول من شهر نوفمبر من هذا العام. ومع ذلك فإن ذلك المصطلح مرفوض من «جبهة العدالة والتنمية الاسلامية» التى تقول عن الذين سيصوتون ِيجابيًا على الدستور إنهم «آثمون». كما أنه مرفوض من «حركة مجتمع السلم» بدعوى أنه يشكل حربًا على هوية الجزائريين. إلا أن أهم اعتراض جاء من «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» التى ادعت أنه مهدد لمستقبل الوطن كما أنه مهدد لمكانة الإسلام وذلك بسبب أنه يدعو إلى تحييد المدرسة أيديولوجيا الأمر الذى يشى بإبعادها عن هويتها ووطنيتها وهما الدعامتان الأساسيتان لبناء الوطن وحماية الأسرة من كل الآفات.

والسؤال بعد ذلك: ماذا يعنى مصطلح «علمنة المدرسة»؟

العلمنة من العلمانية والعلمانية على تعدد معانيها فإنها فى رأيى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق. ومعنى ذلك أن العقل محكوم عليه بعدم قدرته على قنص المطلق، وإذا ادعى غير ذلك فإن المطلق ذاته يصبح نسبيًا بحكم نسبية العقل الذى يقنصه. وفى هذا السياق فإن علمنة المدرسة تعنى تغييرًا جذريًا فى أسلوب تدريس العلوم فى المدرسة. فإذا كان أسلوبها التقليدى فى هذا التدريس يستند إلى التلقين والحفظ والتذكر على أساس أن العلوم عبارة عن جملة حقائق مطلقة فإن من شأن هذا الأسلوب أن يمتنع معه تصور «الإبداع» فى العلم لأن الإبداع على حد تعريفى هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الوضع القائم. واستنادًا إلى هذا التعريف يصبح أسلوب التعليم محصورًا فى بيان تاريخية النظريات العلمية. وفى سياق هذه التاريخية يولد عقل علمانى لدى الطفل منذ بداية تعليمه تاريخ العلم. وإذا كان ذلك كذلك فالصدام حتمى بين هذا الطفل العلمانى وبين ما يواجهه من عقل أصولى لدى والديه. والصراع هنا ظاهرة صحية تدفع الطفل إلى التطور بدلًا من الجمود وترفع القدسية من تعاليم الوالدين ويصبح تطوير الهوية أمرًا لازمًا. وهنا يلزم التنويه بخطاب الرئيس الفرنسى ماكرون فى الثانى من أكتوبر من هذا العام الذى أعلن فيه أن التعليم سيصبح الزاميًا «داخل المدرسة» من سن ثلاث سنوات للحد من ظاهرة التعليم بالمنزل التى أنشأها الانفصاليون المسلمون فى مناطقهم المغلقة والتى تغذى أبناءها بالفكر الأصولى الإسلامى المناقض لعلمانية الدولة الفرنسية. كما يلزم التنويه بأن الرئيس ماكرون قد دعا فى خطابه إلى إعادة قراءة فلسفة ابن رشد لأنها فلسفة تدعو إلى إعمال العقل فى النص الدينى ومن ثم فإنها تقف ضد فكر الفقيه ابن تيمية الذى يدعو إلى إبطال إعمال العقل فى ذلك النص. والمأساة هنا أن ابن تيمية هو المتحكم فى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين.

وبناء عليه يكون من اللازم القول إن مصطلح علمنة المدرسة يلزم وروده فى كل دساتير الأمم. والسؤال بعد ذلك: هل هذا اللزوم أمر لازم؟ يلزم الجواب بالإيجاب وإلا فتحكم التنظيم الدولى للإخوان المسلمين بإرهابه يكون أمرًا لازمًا وتكون الحضارة الإنسانية فى طريقها إلى الانهيار.
نقلا عن المصرى اليوم