مينا بديع عبدالملك
كتاب اللغة المصرية القبطية نشأتها، أسباب أفولها، وجهود إحيائها من القرن 19 تأليف: د. نبيل صبرى إسحاق ويتناول اللغة القبطية منذ نشأتها، ويدرس أسباب أفولها، ثم الجهود المخلصة التى تمت منذ القرن التاسع عشر. الكتاب يحتوى على أربعة أبواب: (رؤى فى نشأة اللغة القبطية وأسباب أفولها، جهود إحياء اللغة القبطية فى العصر الحديث، دراسة فى نطق القبطية واستعمالها، الخلاف على النطق الكيرلسى).

الكتاب يُعد واحداً من أهم مراجع اللسان المصرى القبطى الذى يُعد آخر مراحل هذه اللغة المُقدسة «ميدو- نتر» Mdw - Ntr أى الكلام الإلهى، وقد ترجمه اليونانيون حرفياً بـ«الهيروغليفى» (هيرو أى مقدس أو إلهى، جليفوس أو غليفوس أى كتابة أو كلام)، فهو بهذا موسوعة تاريخية لغوية كنا فى أشد الاحتياج إلى مثل هذا العمل المتكامل التاريخى فى عصرنا الحاضر «الأقباط» هو اسم الشعب المصرى منذ أن كانت عاصمته «منف» إلى اليوم، واللغة القبطية جزء لا يتجزأ من تاريخه وحضارته وثقافته وهى المرحلة الأخيرة من تطور اللغة المصرية القديمة، وبهذا تكون أقدم لغة فى العالم قاطبة. لذلك يجب على الأقباط- بصفة خاصة، والمصريين جميعاً- بصفة عامة، أن يفتخروا بلغتهم وأن يجاهدوا فى إحيائها، فهى ليست لغة دينية بل لغة حياة يومية.

أسس محمد على قواعد الدولة الحديثة، وكانت إحدى ركائزها التعليم. وساهم البابا كيرلس الرابع (1816 – 1861) البطريرك 110 – والذى يحمل لقب أبو الإصلاح- فى تطور تعليم الأقباط بإنشاء مدارس للبنين والبنات، كما أعطى اهتماماً صادقاً لإحياء اللغة القبطية، فكانت إحدى اللغات التى كان يتم تدريسها بمدارس أبى الإصلاح بجانب العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والتركية اهتم المؤلف- فى سياق حديثه عن اللغة القبطية- أن يبرز أقوال وكتابات العددين فى اللغة القبطية:

(1) البابا كيرلس الرابع البطريرك 110 فى رسالته البابوية عام 1854 قال: (هناك شعوب بدائية فى إفريقيا تحافظ على لغاتها، فكم أحرى بالأقباط أن يحافظوا على لغتهم).

(2) البابا كيرلس السادس البطريرك 116 فى حديث شخصى مع مجموعة المهتمين باللغة القبطية بالإسكندرية قال لهم: (إن الكتاب المقدس يأمرنا بالحفاظ على تسليم الآباء وتقاليد الرسل، حيث إن اللغة القبطية هى لغة الكنيسة المصرية، ولذلك سُميت بالكنيسة القبطية المصرية). ومن المعروف عن البابا كيرلس السادس أنه كان يحرص أن يتلى معظم صلوات القداس باللغة القبطية، وكان يشجع تدريس اللغة القبطية، وكان يحث الكهنة على استخدامها بكثرة فى الصلوات الكنسية.

(3) البابا شنودة الثالث البطريرك 117بجريدة روز اليوسف بتاريخ 26 يناير 2009 قال: (من العار أن تحافظ الكنيسة على هذه اللغة- اللغة القبطية- فى عصور الاضطهاد والظلم وتُهمل فيها فى عصر النور والحرية).

(4) الأب متى المسكين (1919 – 2006) الأب الروحى لرهبان دير القديس مكاريوس بوادى النطرون قال: (هل لدى أقباط زماننا الحالى من الإيمان والتكريس والمثابرة ما يمكنهم من النجاح فى إحياء لغة أجدادهم المجيدة، التى هى واحدة من أجمل اللغات.

(5) الأستاذ حبيب جرجس (1871 – 1951) مدير الكلية الأكليريكية ومؤسس مدارس الأحد قال: (كم كنت أود أن أكتبه – تاريخ الأقباط الذى كتبته مسز بوتشر المؤرخة الإنجليزية- باللغة القبطية، التى كانت لغتكم وأنتم عبيد، ويجب أن تكون لغتكم الآن – تحت حكم أسرة محمد على – وأنتم أحرار).

(6) وولتر كرّم (1865 – 1944) مؤلف قاموس اللغة القبطية قال: (من العار على شعب مثقف ذى تاريخ مجيد أن يجهل لغته وأن يقف منها موقف الغرباء).

(7) الدكتور حسين فوزى (1900 – 1988) فى كتابه «سندباد مصرى» قال: (لست أجد شعباً نظيرنا فى العالم يتساءل عن أهمية احتفاظه بلغته الأصلية، وهى تراث الماضى ورباط الحاضر. إن إهمالنا للغة القبطية كان من أكبر العوامل التى عمل بها المستعمر الدخيل.

يستعرض المؤلف باستفاضة كيفية التحول من الديموطيقية إلى القبطية فيقول: هناك اتفاق شبه عام على أن تسمية اللغة المصرية فى مرحلتها الأخيرة، بالقبطية راجع إلى تحوير العرب لاسم مصر باليونانية «إيجيبتوس» Agyptos لتصير «جبط» بعد حذف الحرفين الأولين (أ، ى) والأخيرين (و، س) من الاسم. واللغة المصرية تُعد من أقدم لغات العالم، وأطولها استخداماً. ورغم أن الوثائق القبطية التى تعود إلى أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع، وتظهر فيها القبطية بخصائصها المميزة تجعل بعض علماء القبطية يؤرخوا المرحلة القبطية من حوالى القرن الثالث الميلادى، إلا أن هذه المرحلة من تاريخ لغة مصر بدأت قبل القرن الثالث الميلادى بزمن طويل. ومن المهم إدراك أن مراحل اللغة المصرية، والتغيير فى طرق الكتابة (هيروغليفية، هيراطيقية، ديموطيقية، قبطية) من طريقة إلى أخرى كانت عملية تدريجية، وعلى فترات طويلة تواجدت فيها كتابتين أو ثلاثة معاً. وبالنسبة لبداية اللغة القبطية، لا نخطئ القول إنها نشأت فى القرن الثانى قبل الميلاد.

اللغة المصرية امتدت من القرن السابع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وهى المرحلة السابقة مباشرة للمصرية القبطية، فمن ثم تكون القبطية منبثقة من المصرية الديموطيقية. فالديموطيقية– التى تعنى «شعبية»– لم تكن لغة العامة لكنها كانت لغة أعمال أدبية ووثائق رسمية ونصوص دينية وتبادل رسائل، وبالتالى فهذه التسمية اليونانية غير دقيقة، لذلك فإن المصريين أطلقوا عليها اسم «خط الوثائق»، وسماها العالم السكندرى «بنتينوس» فى القرن الثانى الميلادى «كتابة الرسائل». ويرجع تاريخ أقدم وثيقة مكتوبة بالديموطيقية إلى السنة 21 من حكم الملك بسماتيك الأول (حوالى 643 قبل الميلاد)، وتأتى من الفيوم. وأهم مظاهر الديموطيقية صعوبتها الشديدة فى شكل علامتها الصوتية وتشابه الكثير منها، وغياب علامات الحركة وكتابتها بتشبيك مُعقد. وليس أدل على ذلك أن المصريين أنفسهم لجأوا إلى استخدام الحروف اليونانية التى كانت الكتابة بها أسهل بما لا يُقاس من الكتابة بالديموطيقية، وهذه كانت بشائر ميلاد المصرية القبطية.

ويجب التأكيد على أن التحول من الديموطيقية إلى القبطية لم يكن مجرد استخدام الأبجدية اليونانية التى تحوى حروفا متحركة، بالإضافة إلى سبعة حروف أساسية منتقاة من علامات الكتابة الديموطيقية ثم تحوير نقشها لتكون متناسقة مع شكل الحروف اليونانية، ولكن نرى أيضاً طريقة كتابة القبطية من اليسار إلى اليمين مثل اليونانية، واختفاء ظاهرة العلامات ذات الصوتين وذات الثلاثة أصوات، والمخصصات التى هى علامات تساعد فى فهم الكلمات دون أن يكون لها نطق، ودخول مفردات يونانية.

ثم يسجل المؤلف الوضع اللغوى السابق لدخول العرب مصر، فيقول: كانت اللغة اليونانية هى اللغة الرسمية السائدة فى مصر فى القرون الثلاثة السابقة للميلاد أيام حكم البطالسة، واستمرت بعد ذلك تحت حكم الرومان، ثم البيزنطيين حتى القرن السابع الميلادى. ولم يقتصر الكلام باليونانية على اليونانيين، لكنه كان شائعا بين المصريين المتعلمين، بالإضافة بالطبع إلى كتابة معظم المستندات الرسمية به. هذا الوضع لم يكن فريدا فى مصر ولكنه شمل الكثير من البلاد التى كانت واقعة تحت الحكم المقدونى اليونانى. وقد حافظت اللغة اليونانية على وضعها المتميز فى مصر وسائر بلاد المشرق التى كانت خاضعة للإمبراطورية المقدونية بعد نهايتها وسيطرة روما على بلاد الغرب والشرق معاً بما فى ذلك اليونان نفسها، وكان على أهل روما المتعلمين الذين كانوا يتحدثون بلغتهم اللاتينية دراسة اليونانية بالإضافة إلى لغتهم اللاتينية.

وقد استمرت اليونانية كلغة تحدث بها اليونانيون والمصريون المتعلمون، وفى الأمور الإدارية والتجارية، وأيضاً فى الكتابات المسيحية، بما فى ذلك أسفار العهد الجديد من الكتاب المقدس وكتابات آباء الكنيسة الأولين فى مصر فى الثلاثة قرون الميلادية الأولى وبعدها.

ظل انتشار المسيحية فى مصر خارج المدن الكبرى بطيئاً حتى تم تقنين وتعميم الحروف اليونانية وسبعة حروف من المصرية الديموطيقية فى كتابة اللغة المصرية بالأبجدية القبطية. أخذ وضع اليونانية يضعف نسبياً مع انتشار المسيحية بين عامة الشعب المصرى وتحرك الدور الثقافى من الأكاديميات اليونانية إلى الأديرة المسيحية، خاصة بعد المجهودات الهائلة التى قام بها الأنبا شنودة (346 – 465م) المعروف باسم رئيس المتوحدين للنهوض باللغة والتراث القبطى ليحل محل التراث اليونانى. لذا يُعتبر الأنبا شنودة المؤسس الحقيقى للكنيسة القومية المصرية.

لقد أمضى المؤلف وقتاً طويلاً وبذل مجهوداً شاقاً فى كتابة هذا الكتاب الذى صدر فى ذكرى مرور 152 على وفاة أبى الإصلاح البابا كيرلس الرابع.
نقلا عن المصرى اليوم