( 1860-تقريبا - 1914 )

إعداد/ ماجد كامل
يمثل ميخائيل عبد السيد ( 1860- 1914 ) أهمية كبيرة في تاريخ الصحافة المصرية ؛بل والثقافة المصرية بصفة عامة . أما عن ميخائيل عبد السيد نفسه ؛يذكر الدكتور رامي عطا صديق في كتابه عن صحافة الاقباط ؛ أنه يوجد اختلاف بين المؤرخين حول تاريخ ومكان ميلاده ؛ فبينما بذكر رمزي تادرس وخير الدين الزركلي أنه ولد في القاهرة ؛يذكر زكي محمد مجاهد وكذلك نجيب كيرلس المنقبادي انه ولد في أسيوط . وحول تاريخ ميلاده ؛يذكر نجيب كيرلس المنقبادي كذلك قاموس التراجم القبطية أنه ولد عام 1830 ؛ ويذكر محمد زكي مجاهد أنه ولد عام 1852 ؛بينما يجمع كل من رمزي تادرس وخير الدين الزركلي وعمر رضا كحالة انه ولد عام 1860 .

إي ان كان تاريخ ميلاده ؛فاسمه بالكامل هو ميخائيل بن عبد السيد بن شحاتة ابن أبي البهاء بن هواش ؛ أهتم والده بتعليمه علي أرفع مستويات عصره ؛ حيث درس في المدارس الامريكية والقبطية ؛بل وأكثر من ذلك التحق بالتعليم الازهري ؛ وكان معه في نفس الدفعة تادرس بك وهبي ناظر المدارس القبطية ( أرجو ان تتاح لي فرصة للكتابة عنه وعن انجازاته في الوقت المناسب إن شاء الرب وعشنا ) ؛ وجندي بك إبراهيم الذي خلفه في جريدة الوطن . ولما كان ذلك ممنوعا قرر ان يدخل خلسة ؛وكان يسمي نفسه عبد السيد دون أن يذكر أسم ميخائيل ؛ وظل مخفيا لمدة سنتين ؛حتي أكتشفا أمره بمحض الصدفة ؛ فأوسعه الشيوخ ضربا ؛ فلما علم الأمام الشيخ محمد عبده ( 1849- 1905 ) بذلك قام باستضافته في مكتبه وطيب من خاطره ؛ وأذن له بمتابعة الدروس في الأزهر دون مضايقة من أحد ( في مداخلة تليفونية خاصة مع الكاتب الكبير الأستاذ حلمي النمنم ؛ أفاد أنه يشك كثيرا في صحة هذه القصة ؛ حيث أن الشيخ محمد عبده كان مفتيا للديار المصرية ؛ ولم تكن له سيطرة علي الأزهر الشريف ؛ والأرجح أن ميخائيل عبد السيد قد تلقي دروسا خاصة في اللغة العربية علي يد أحد شيوخ الأزهر سرا وفي الخفاء دون أن يحصل علي أي شهادة رسمية ؛ والأمر متروك لمزيد من البحث والدراسة ) .

وعندما أنشا علي باشا مبارك ( 1823- 1893 ) مدرسة دار العلوم ؛ التحق بها ميخائيل عبد السيد لكي يستزيد علما من دروس اللغة العربية . ثم عمل بالتدريس بعد ذلك ؛حيث قام بالتدريس صباحا في مدرسة الامريكان حيث كان يدرس مادة الترجمة ؛ وبعد الظهر كان يقوم بالتدريس في مدرسة الأقباط الكبري حيث كان يدرس مادة اللغة العربية . ويذكر المرحوم الأرشيداكون القديس حبيب جرجس ( 1867- 1951 ) في موسوعته "المدرسة الإكليركية بين الماضي والحاضر " أنه كان من الرعيل الأول للتدريس بالمدرسة الإكليركية ؛ حيث كان يدرس مادة اللغة الإنجليزية ( المرجع المذكور ؛ صفحة 16 ) .

ولقد عشق ميخائيل عبد السيد العمل الصحفي منذ فجر شبابه ؛فلقد آمن بالرسالة التنويرية الكبري التي تدعو إليها الصحافة ؛ فأشتغل في مجلة روضة المدارس المصرية ( 1870- 1829 ) التي أسسها رائد التنوير المصري الحديث رفاعة رافع الطهطاوي ( 1801- 1873 ) .

ثم أهتم بإصدارصحيفة خاصة به هي "جريدة الوطن ؛ في يوم 17 نوفمبر 1877 ؛ والتي يذكر عنها الدكتور رامي عطا نقلا عن رمزي تادرس ؛ أنها كانت مدرسة تمرين علي السياسة ومعرفة أحوال الدول وتصرفاتها وهمة رجالها . ولقد كانت تصدر في البداية كجريدة أسبوعية ؛ وبداية من عام 1886 ؛صارت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع . وحسب موقع موسوعة تاريخ أقباط مصر ؛ذكر الموقع عن جريدة مصر الدعوة الي الوحدة الوطنية بين عنصري الامة في بوتقة واحدة هي "الجامعة الوطنية المصرية " . ( المرجع السابق ذكره علي شبكة الأنترنت ) .

ويكتب فيليب دي طرازي ( 1865- 1956 ) ( أرجو أن تتاح لي الفرصة للكتابة وعن دوره التنويري في خدمة الثقافة العربية في الوقت المناسب إن شاء الله )في كتابه العمدة الموسوعي "تاريخ الصحافة العربية " عن جريدة الوطن فيقول " عنها "جريدة أسبوعية سياسية تجارية أنشأها ميخائيل عبد السيد في 17 تشرين الثاني سنة 1877 في القاهرة . ونشرها في المطبعة التي استجلبها الأنبا كيرلس الرابع ...... وكانت في اول عهدها صغيرة الحجم ؛واشتهرت قبل الاحتلال وبعده بتحيزها للوطنيين ؛كما كانت من أشياع العرابيين في عهد الثورة ......... وفي 29 آب 1900 ابتاع جندي إبراهيم امتياز جريدة الوطن من ميخائيل عبد السيد بمبلغ مائة جنيه انجليزي ؛ وأصدرها يوميا في أربع صفحات ذات ستة أعمدة . فطبعت حينئذ في مطبعة "جمعية التوفيق " وكان عبد السيد يوافيها من حين إلي آخر بفصول سياسية " ( راجع الفقرة بالكامل في الكتاب السابق ذكره ؛ الصفحات من 9 - 12 ) .

وفي إطار مساندته للحركة الوطنيية في مصر ؛ كان يتابع كل ما يكتبه الزعيم الوطني مصطفي كامل ( 1874- 1908 ) ويعلق عليه . وفي أحدي المرات كتب عنه يقول " فقد أنشرح كل من سمع حضرة الوطني الماهر – مصطفي كامل – لأنه أظهر أن في المصريين من هو مقتدر في الإعراب عن نوايا الأمة المصرية بالاعتدال والرزانة والحض علي مكارم الأخلاق والحث علي المحبة والمسالمة ( لمزيد من التفصيل راجع :_ إيريس حييب المصري ؛ قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء الخامس ؛ 120 ) .

ولقد عشق ميخائيل عبد السيد الوطن في كل كتاباته ؛ ففي مقالة له بجريدة الوطن بتاريخ يوم 25 أغسطس 1881 ؛ كتب يقول في تعريف معني الوطن " مسكن الإنسان الذي نشأ فيه وتغذي من نباته واستشنق من هواءه وشرب من مائه وتمتع بمروجه ........ إن حب الوطن من الإيمان ؛ وقيام المواطن بواجبات الوطن يستلزم تأدية ما يجب نحوه من الحقوق وإلا رمي صاحبه ياللوم والعقوق " ( فاروق أبو زيد :- الفكر الليبرالي في الصحافة المصرية ؛ صفحة 36 ) .

ويؤكد أيضا علي أهمية نبذ التعصب ؛فقال في مقالة له نشرت بجريدة الوطن بتاريخ 14 نوفمبر 1888 ؛ حيث قال " أن البلاد المرتاحة من آفة التعصب هي المرتقبة إلي ذري المجد والسعد ؛وبالعكس من ذلك فإن البلاد المتمكن منها هذا الداء هي المنحطة إلي حضيض التأخر " ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 241 ) .

ولقد امتدح في جريدته كثيرا رياض باشا رئيس النظار في ذلك الوقت ؛ معتبرا إياه رجلا فذا لا مثيل له في شجاعته الادبية ( لمزيد من التفصيل راجع :- رامي عطا ؛ نفس المرجع السابق ) .

ولقد طالب في جريدته بحق مندوبي الصحف في حضور جلسات مجلس شوري النواب ؛وحق الجرائد في نشر ما يدور بهذه الجلسات . كما طالب أعضاء مجلس شوري النواب أن يكون حكيما وحازما صارما يراعي الصالح العام ؛وأن تكون له معرفة بالثقافة العامة .

كما هاجم عبد السيد الفكر الخرافي والاعتقاد في وجود الجن والعفاريت ؛ لذا دعا إلي نشر التعليم المجاني بين جميع الأطفال مع ضرورة إلزام كل أب بتعليم أولاده تعليما أوليا من أجل تربية صحيحة ( رامي عطا ؛ نفس المرجع السابق ) .

ولقد آمن أيضا أن مصر سبقت جميع الأمم في معرفة المخترعات العلمية والفنية والهندسية

ولقد أثري ميخائيل عبد السيد المكتبة الثقافية بالعديد والعديد من الكتب والترجمات نذكر منها :-
1- كتاب سلوان السجي في الرد علي ابراهيم اليازجي ؛ ولقد طبع في مطبعة الجوائب خلال عام 1827 .
2- كتاب الرياض الزهرية في الأعمال الجبرية ؛طبعته له مطبعة الحسينية عام 1874 ؛وهو كتاب مدرسي تعليمي .
3- كتاب روضة الكتاب في علم الحساب ؛ بالاشتراك مع آخرين يتضمن بعض الموضوعات الحسابية .
4- رواية بسماتيك الأول ؛وهي رواية تاريخية أدبية عن أحد ملوك مصر القديمة .

كما قام بترجمة بعض الكتب نذكر منها :-
1- تنوير الأفهام في مصادر الإسلام .
2- رسالة في علم الفلك .
3- كتاب بث المعارف ونث العوارف ؛ وهو كتاب في الحث علي ضرورة الاهتمام بالثقافة والمعرفة . (راجع القائمة بالكامل في كتاب رامي عطا صديق ) .

كما أهتم بتشكيل لجنة لطبع الكتب الهامة والنادرة ؛ومن بين الكتب التي قامت اللجنة بطباعتها نذكر :-
1 – تهذيب الأخلاق لابن مسكويه تناول فيها آراء وكتابات الفلاسفة في ( النفس- الخلق – الخير والسعادة –ظهور الفضائل – دواء النفوس .... الخ ) .
2- كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة .
3-الاحكام السلطانية للامام الماوردي .
4- العقد الفريد للأندلسي .
( راجع القائمة بالكامل في :- رامي عطا المجلة العربية ؛26 نوفمبر 2016 ) .

ولقد وصفه رمزي تاردس مؤلف كتاب " الاقباط في القرن العشرين أنه العالم النابغة ؛وأن حياته كلها عمل وجهاد بل حياة ونشاط وإقدام جعلته في مصاف كبار العلماء وأهل الفضل الذين ظهروا في العصر الحديث ونالو مكانة سامية بين رجال العلم ( رامي عطا ؛ نفس المرجع السابق ) .

وفي نهاية المقالة أكرر نفس النداء الذي طالبت به في مقالة تادرس شنودة المنقبادي ؛ إلا وهو ضرورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جريدة الوطن ؛ وكافة الدوريات القبطية الأخري المرتبطة بالبدايات الأولي للصحافة المصرية ؛ وهذ نداء موجه إلي جميع مراكز المعلومات والتوثيق والأرشيف داخل الكنيسة القبطية وخارجها أيضا . فهل من مجيب لهذا النداء ؟؟!! .

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1-رامي عطا صديق :- رواد صحافة الأقباط في مصر ؛ أسقفية الشباب ؛ 2009 .
2- رامي عطا صديق :- المصريون المسيحيون ونشر الثقافة العربية ؛ المجلة العربية ؛ 29 نوفمبر 2016 .
3- الجمهرة :- معلمة مفردات المحتوي الإسلامي ؛ موقع علي شبكة الأنترنت .
4-كتاب الأعلام للزركلي ؛الجزء السابع ؛الطبعة الثامنة ؛ بيروت دار العلم للملايين ؛1989 ؛ صفحة 337 .

5- قاموس التراجم القبطية ؛ جمعية مارمينا العجايبي للدراسات القبطية بالإسكندرية ؛ الطبعة الأولي ؛ 1995 ؛ صفحة ( 233 ) .
6- ميخائيل عبد السيد :- موسوعة التراجم والاعلام .
7- عمر كحالة :- معجم المؤلفين ؛ الجزء 13 ؛صفحة ( 61 ) .
8- موسوعة تاريخ أقباط مصر :- الإعلام والتبشير والمجلات .
10- فاروق أبو زيد :- الفكر الليبرالي في الصحافة المصرية ؛ عالم الكتب ؛بدون سنة نشر ؛ صفحات متفرقة من الكتاب .

11- منير شكري :- رسالة مارمينا الرابعة عشر ؛قراءات في تاريخ الكنيسة المصرية ؛جمعية مارمينا العجايبي للدراسات القبطية بالإسكندرية ؛ صفحة (667 ) .

12- الإعلام والتبشير والمجلات – موسوعة تاريخ أقباط مصر ؛ موقع علي شبكة الأنترنت .
13- فيليب دي طرازي :- تاريخ الصحافة العربية ؛ الجزء الثالث ؛ الصفحات من (9 - 12) .
14- إيريس حبيب المصري :_ قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء الخامس ؛ صفحة 120 .

15- شكر خاص للأخ الحبيب الدكتور رامي عطا صديق أستاذ تاريخ الصحافة المصرية بأكاديمية الشروق ؛ لتفضله بإرسال الدراسة الخاصة به عن ميخائيل عبد السيد ؛ كذلك الصورة الوحيدة له الملحقة بالمقالة ضمن مجموعة الصور .

16- شكر خاص جدا للكاتب الكبير الأستاذ حلمي النمنم لتفضله بإمدادي ببعض المعلومات الهامة عن طبيعة الدراسة والتعليم في الأزهر الشريف . مما أفادني كثيرا جدا في مقالتي .