إن أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان عمومًا، والشباب خصوصًا، هو مشكلة اتخاذ قرار. فنحن حين نتخذ قرارًا فى شأن ما، نتحمل بالضرورة مسؤولية قرارنا هذا. كما أن هناك قوى كثيرة تعمل فى الإنسان، وتتدخل فى عملية اتخاذ القرار، وعلى الإنسان أن يأخذ بمحصلة هذه القوى- التى كثيرًا ما تتعارض- حتى يصل إلى القرار السليم.

 
هناك قوى عديدة، لكل منها تأثيرها الخاص، وضغطها ودفاعاتها. ومن حصيلة هذا كله، يصدر القرار. إنها «مراكز صنع القرار» إذا استعرنا التعبير الذى تستعمله الدول، وهى تتخذ قراراتها المصيرية والمهمة. فما مراكز صنع القرار فى حياة الإنسان؟
 
 
وهى ذلك العنصر الإلهى الذى يقود الإنسان إلى التأمل فى إلهنا العظيم، والغوص فى بحار ما وراء الطبيعة، والمادة، والموت. عنصر الخلود، والإيمانيات، والتعرف على أمور الحياة الأخرى، والعالم السماوى.
 
 
وهو ذلك الصوت القادم من السماء، حيث الله العظيم، صوت الخير والحب والجمال المطلق. إنه صوت يهز أعماقنا من الداخل، مرة يباركنا حينما نصيب، ومرة يوبخنا حينما نخطئ. وهو بالقطع ليس نتاج المجتمع أو التربية أو القيم السائدة، بدليل أنه يحرمنا من النوم، لا من أجل خطأ علنى، بل من اجل خطأ سرى، حدث بين الإنسان والله فقط.
 
3- العقل:
 
وهو الطاقة المفكرة فى الإنسان، والتى تجعله يناقش، ويدرس ويحلل، ويستنبط، ويربط، ويستدل، ويستنتج... إنه التفكير البشرى، المحدود طبعًا، والذى يميز الإنسان (مع القوتين السابقتين: الروح والضمير) عن الحيوان والنبات.
 
4- النفس:
 
وهى ذلك الجهاز الإنسانى الذى يحوى الكثير من مكونات الشخصية الإنسانية مثل:
 
أ) الغرائز: أى الدوافع الأساسية فى الإنسان، والتى ولد بها، من أجل حفظ الحياة، والنوع البشرى. كغريزة الجوع والعطش والجنس وحب الحياة، والتملك، والخوف... إلخ.
 
ب) العادات: التى اكتسبها الإنسان أثناء مسيرته فى الحياة، سواء أكانت نافعة كالصلاة، ودراسة كلمة الله، والتردد المنتظم على دور العبادة، والتعامل الراقى فى الكلام والتصرف. أو كانت هدامة مثل إدمان المخدرات أو الخمور أو التدخين، أو الألفاظ النابية، أو الغضب.
 
ج) الاتجاهات: وهى الخطوط الرئيسة التى يسير فيها قلب الإنسان وشهواته، فهذا يتجه نحو جمع المال، وذلك نحو خطايا الجسد، بينما الثالث يتجه نحو الدراسة والتفوق العلمى، أو نحو تكريس الحياة لله ولخدمة الآخرين.
 
د) العواطف: وهى المشاعر التى تتكون وتتثبت نتيجة انفعال متكرر تجاه شخص ما، أو شىء ما. فهذا تحبه، وذاك قد لا نحبه، من الأشخاص والفضائل ومحبة الرذائل المختلفة.
 
5- الجسم: ولا شك أن له وطأة خاصة فى اتخاذ القرار سواء من جهة الضعف والقوة، أو الجمال والقبح، أو الطول والقصر، فالشاب يختار العمل المناسب لطاقته الجسمانية، ويختار شريكة الحياة واضعًا فى الاعتبار الملامح الجسمية وهكذا.
 
6- المجتمع: لأن الإنسان اجتماعى بطبعه، ولا يستطيع أن يحيا فى جزيرة منعزلة، عن الواقع المجتمعى المحيط به، بما يسوده من قيم وتقاليد وعرف. لهذا فقد يفشل زواج ما، لأنه لم يراع الفوارق الاجتماعية بين العروسين، أو قد يفشل مشروع ما بسبب عدم مراعاته ظروف المجتمع وتقاليده.
 
وهكذا.. ومن هذا الخضم الهائل من القوى، يصنع القرار. حقيقة إن قوة قد تبرز لتأخذ مكان الصدارة، وتنقاد لها باقى القوى، ولكن -على العموم- هناك دور ما لكل من تلك القوى.
 
* مثال فى اتخاذ قرار اختيار شريكة الحياة، فنجد الإنسان المقبل على تلك الخطوة:
 
1- يصلى طالبًا من الرب أن يقوده ويوفقه.
 
2- يسأل ضميره باستمرار: هل أخطأ أم أصاب، سواء فى الاختيار، أو فى السلوك اليومى؟
 
3- يفكر بإمعان فى إمكانية إتمام هذا المشروع، من جهة موافقة الأسرتين، والإمكانيات المادية، ومكان المعيشة، ونوع العمل، والمشاركة فى الأعباء المنزلية... وهكذا.
 
4- يتكشف راحته العاطفية نحو هذه الشخصية، وهل هو مستريح نفسيًّا لها، ويحس أنها ستساعده فى تحقيق اتجاهاته، وتتوافق مع ميوله وعاداته، وستكون سبب سعادة له.
 
5- ينظر... هل هناك فيمن اختارها قدر مناسب من الجمال، دون مغالاة أو تطرف؟.
 
6- يدرس.. هل يتفق قراره مع التقاليد والقيم السائدة فى المجتمع الذى يعيش فيه، أم أن هناك مآخذ ستقض مضجعه إذا أتم هذا المشروع؟
 
وهكذا يقيم قراراته، مسترشدًا بالآباء الروحيين، وطالبًا فوق الكل معونة السماء. ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.
 
* أسقف الشباب العام
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم