كتب : د. مينا ملاك عازر

بالصدفة البحتة، اقرأ هذه الأيام كتاب مذكرات الإعلامي حمدي قنديل، ومررت على واقعة رصدها في إطار رصده لأحداث الوطن وما مرت به مصر قبيل ثورة يناير، وهي واقعة الصدام اللفظي الذي وقع بين ضابط أمن دولة وراكب العربة البورش في مصر الجديدة، الذي تكشف فيما بعد أنه أحد أفراد عائلة كريازي، عائلة من ضمن مئة عائلة يحكمون البلد كما وصفها السيد حمدي قنديل في كتابه "عشت مرتين" والصدام اللفظي هذا تطور إلى أن يكون صدام فيزيائي حين جمع حفيد كريازي بعض البلطجية وذهبوا لمنزل الضابط صباح اليوم التالي وضربه ودهسه بالعربة، لم يتابع السيد حمدي قنديل القصة بل توقف عند هروب حفيد كريازي في طائرة خاصة لخارج البلاد بالتحديد لإسبانيا. 
 
وعندما وقعت واقعة السيدة المستشارة التي ادعت أنها مستشارة بالأمم المتحدة أو عضوة بها ثم تبين الأمر أنها عضوة بالنيابة الإدارية، ثم انكشف اللثام عن كونها موقوفة عن العمل بسبب ظروفها النفسية، أشارت الصحف مذكرة الناس بواقعة سيدة المطار وضابط المطار، وهو الفيديو الشهير الذي وقع بين سيدة قالت للضابط أنت ما تعرفش أنا مين؟ وبعيداً عن السؤال الهلامي الذي بات على السنة الكثيرين مستنكرين حين يلزمهم أحد أو يسألهم أحد عن شيء لا يريدون الإجابة عنه، فيقولون أنت ما تعرفش أنا مين؟ وكأن كينونتهم تعفيهم عما يقع على الجميع في مساواة واضحة وقاطعة بحكم القانون، أقول بعيداً عن هذا السؤال، يبقى لوسائل الإعلام الربط بين الاعتداءين على أساس أن من نفذهما سيدة ضد ضابط، راجل ليلوك البعض كلمات إزاي الراجل الضابط مسك أعصابه، والسيدة كذا وكذا ويأخذوها من منظور ذكوري خفي ليعظموا مما فعله الضابط بضبطه نفسه، وهذا للأسف أمر مؤسف ومحزن.
 
الأمر الأكثر خطورة وأهمية أن مسألة الاعتداء على الضباط والخروج منها سالمين أو على الأقل بأقل الأضرار بات أمر مؤسف، فالمتهمة الجديدة في تلك الوقائع مريضة نفسياً، وهو ما ينقلنا للنقطة الأهم، المرضى النفسيين في هذا المجتمع الذين يعانون من آلام نفسية مبرحة يزيدها تجاهل من حولهم أو سوء معاملتهم مع تلك الآلام أو تجاهلهم لمقدارها، وضرورة التعامل معها والارتكان لوصفات بعيدة كل البعد عن البعد الطبي اللازم للتخفف من وطأة تلك الآلام، والواضح أننا جميعاً أصبحنا نسبب الوجع النفسي للآخر بقصد أو بغير قصد. 
 
أخيراً، ان صدقت رواية مرض المستشارة نفسياً أم لم تكن صادقة، المهم أنها أخلي سبيلها، وأعتقد أننا في سبيل تصالح أو غلق للقضية، ويبقى الأمر الواقع، أن ثمة اعتداءات على رجال الشرطة ومنهم على المواطنين، وهذا لا يجب أن يعمم ويترك، يجب أن يحاسب الجميع بعيداً عن نظريتي المرض النفسي وكون المعتدي أنثى والمعتدى عليه ذكر يا سادة.
 
المختصر المفيد كفانا مواراة لجراح مجتمعنا ومداراة لآلامنا النفسية، فلنعالج أفرادنا ليصح مجتمعنا.