في مثل هذا اليوم 12 اكتوبر1906م..
الدعوة إلى إنشاء الجامعة الأهلية في مصر بناء على اقتراح الزعيم الوطني مصطفى كامل الذي طلب توجيه المبلغ الذي جمع للاحتفال به بعد عودته من أوربا لبعض القضايا الوطنية، ومنها إنشاء جامعة أهلية..

الجامعة المصرية، هو الاسم الذي كانت تعرف به جامعة القاهرة من 1908 حتى 1940، وبعد ذلك عرفت بجامعة فؤاد الأول حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952. وهي أول جامعة تنشأ في مصر.

علم الزعيم الوطني مصطفى كامل في أثناء وجوده ببريطانيا للدفاع عن القضية المصرية والتنديد بوحشية الإنجليز بعد مذبحة دنشواي، أن لجنة تأسست في مصر للقيام باكتتاب عام لدعوته إلى حفل كبير وإهدائه هدية قيمة؛ احتفاءً به وإعلانًا عن تقدير المصريين لدوره في خدمة البلاد، فلما أحيط علما بما تقوم به هذه اللجنة التي كان يتولى أمرها محمد فريد رفض الفكرة على اعتبار أن ما يقوم به من عمل إنما هو واجب وطني لا يصح أن يكافأ عليه، وخير من ذلك أن تقوم هذه اللجنة "بدعوة الأمة كلها، وطرق باب كل مصري لتأسيس جامعة أهلية تجمع أبناء الفقراء والأغنياء على السواء، وأن كل قرش يزيد عن حاجة المصري ولا ينفقه في سبيل التعليم هو ضائع سدى، والأمة محرومة منه بغير حق".

وأرسل إلى الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد برسالة يدعو فيها إلى فتح باب التبرع للمشروع، وأعلن مبادرته إلى الاكتتاب بخمسمائة جنيه لمشروع إنشاء هذه الجامعة، وكان هذا المبلغ كبيرًا في تلك الأيام؛ فنشرت الجريدة رسالة الزعيم الكبير في عددها الصادر بتاريخ (11 من شعبان 1324هـ= 30 من سبتمبر 1906م).

بداية الاكتتاب:
ولم تكد جريدة المؤيد تنشر رسالة مصطفى كامل حتى توالت خطابات التأييد للمشروع من جانب أعيان الدولة، وسارع بعض الكبراء وأهل الرأي بالاكتتاب والتبرع، ونشرت الجريدة قائمة بأسماء المتبرعين، وكان في مقدمتهم حسن بك جمجوم الذي تبرع بألف جنيه، وسعد زغلول وقاسم أمين المستشاران بمحكمة الاستئناف الأهلية، وتبرع كل منهما بمائة جنيه.

غير أن عملية الاكتتاب لم تكن منظمة، فاقترحت المؤيد على مصطفى كامل أن ينظم المشروع، وتقوم لجنة لهذا الغرض تتولى أمره وتشرف عليه من المكتتبين في المشروع، فراقت الفكرة لدى مصطفى كامل، ودعا المكتتبين للاجتماع لبحث هذا الشأن، واختيار اللجنة الأساسية، وانتخاب رئيس لها من كبار المصريين من ذوي الكلمة المسموعة حتى يضمن للمشروع أسباب النجاح والاستقرار.

أول اجتماع للمكتتبين:
واجتمع المكتتبون في دار سعد زغلول وكانوا 27 رجلا من أعيان مصر ومن أهل الرأي والفكر فيها، من بينهم قاسم أمين، ومحمد فريد، وعبد العزيز فهمي، وعبد العزيز جاويش وحفني ناصف. وقرر المجتمعون انتخاب لجنة تحضيرية مؤلفة من سعد زغلول وكيلاً للرئيس، وقاسم أمين سكرتيرا للجنة، وحسن بك سعيد وكيل البنك الألماني الشرقي أمينًا للصندوق، وعضوية نفر من المكتتبين، وتأجل انتخاب الرئيس العام للجلسة المقبلة. وقرر المجتمعون نشر الدعوة للمشروع في جميع الصحف المصرية، وأن تسمى هذه الجامعة بالجامعة المصرية.

مضت لجنة المكتتبين في عملها على الرغم مما لاقته من حملات ضد المشروع الطموح، وهجوم كرومر المندوب السامي البريطاني حيث رمى القائمين عليه بالجهل، وشاركت الصحف الأجنبية في هذا الهجوم ووقفت موقفا معاديا للمشروع، وشككت في قدرة القائمين بالمشروع على الخروج به إلى حيز التنفيذ.

ثم عقدت اللجنة جلستها الثانية في (30 من نوفمبر 1906م) للنظر في انتخاب الرئيس واللجنة النهائية للاكتتاب بدلا من تلك اللجنة المؤقتة، وأسفر الاقتراع السري عن اختيار خمسة عشر عضوا لهذه اللجنة للقيام بجميع الأعمال اللازمة لنجاح المشروع. وفي هذه الجلسة قدم سعد زغلول اعتذارا عن مواصلة عمله في اللجنة؛ نظرا لتعيينه ناظرًا للمعارف ووعد بالمساعدة قدر الاستطاعة، ولم يتم اختيار رئيس، ولكن انتخب قاسم أمين نائبا للرئيس ومحمد فريد سكرتيرا، وحسن السيوفي أمينا للصندوق.

اختيار رئيس للجامعة الوليدة:
الملك فؤاد أول رئيس للجامعة:

وواصلت لجنة المكتتبين اجتماعاتها بعد خروج سعد زغلول، وقررت إيداع ما تجمع لديها من أموال في البنك الألماني الشرقي؛ لأنه الوحيد الذي قبل مساعدة الجامعة بزيادة العائد على أموالها المودعة لديه، واكتتب بمبلغ أربعين جنيها سنويا لصالح الجامعة، وقررت اللجنة اختيار ثلاثة من أعضائها، وهم: حفني ناصف، وعلي فهمي، ومرقص حنا لتحضير مشروع لائحة تختص بالإجراءات الداخلية للجامعة، واتخاذ مكان دائم للاجتماعات الأسبوعية، وتنشيط عملية الاكتتاب بعد أن هدأت، ولم تعد اللجنة تتلقى أية مبالغ جديدة.

وفي هذه الأثناء كانت اللجنة تؤمن بضرورة رئاسة أمير من أمراء البيت الخديوي حتى يدفع المشروع دفعة قوية، وبعد مباحثات وترشيحات لبعض الأمراء أذن الخديوي عباس حلمي بإسناد الرئاسة الفعلية للأمير أحمد فؤاد في (17 ذي القعدة 1325 هـ= 22 ديسمبر 1907)، وقد صادف اختيار الأمير أحمد فؤاد –الملك فيما بعد– ارتياحًا عامًا، لما عُرف عنه من حب للعلم وتشجيع للمشروعات العلمية.

المشروع التنفيذي للجامعة:
ثم تابعت لجنة الاكتتاب عملها بنشاط بعد تولي الأمير أحمد فؤاد رئاستها، وقررت تأليف لجنة فنية تختص بوضع البرنامج الذي سيبدأ العمل به، وتضمن البرنامج المقترح البدء بعملين، الأول ابتعاث عشرة من الطلاب، خمسة لتلقي العلوم، ومثلهم لتلقي الآداب في الجامعات الأوربية، ليكونوا أساتذة للجامعة في المستقبل.

وأما العمل الآخر فهو برنامج التدريس بالجامعة الوليدة، حيث تقرر تدريس أربعة علوم يُدرّسها أربعة أساتذة يأتون من الخارج، وهذه المواد هي تاريخ التمدن القديم في الشرق، وتاريخ التمدن الإسلامي، وتاريخ الآداب العربية، وتاريخ الآداب الفرنسية والإنجليزية.

وتقرر أن تكون مدة الدراسة في الجامعة ثمانية أشهر من نوفمبر إلى يونيو، وأن يعطى في كل فرع من هذه الفروع أربعون درسا في السنة، وأرجئ تدريس بقية العلوم حتى توفر الإمكانات اللازمة. وتقرر أن تكون لغة التدريس الرسمية هي العربية، إلا إذا دعت الضرورة لتدريس بعض المواد بإحدى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وتُحدد مدة كل درس بساعة واحدة إلى ساعة وربع، بدءًا من الساعة الخامسة حتى الثامنة بعد الظهر، وقررت اللجنة قبول جميع المتخرجين في المدارس العليا وطلبتها، وكذلك جميع طلبة الأزهر ومدرسة دار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي، وجعلت للدخول إلى قاعات الدرس رسما سنويا قدره أربعون قرشا على كل طالب، ومائة قرش على غير الطالب...!!