كتب : مدحت بشاي
Medhatbe9@gmail.com
 
لا ريب أن " الكلمة " حين تفقد مصداقيتها وحيويتها ككائن حي متجدد في مجتمع ما ، فإن هذا يعني أن أهل الإبداع فيه يرتكبون أخطر كوارث زمانهم ، لأن معنى هذا أننا بصدد تزييف واقع قد يبعدنا عن كل مسارات التقدم ، بل والانزلاق إلى هوة عميقة عبر منحدرات التغييب والتوهان .. 
 
ومعلوم أن للنقد الذي نعنيه هنا العديد من المعاني ، فهو يعني التنقد أو الانتقاد بمعنى" إنتقاء الأصيل من الزائف"  وتعددت المعانى والمرادفات لكلمة النقد فى اللغة العربية إلى أن التقت جميعها حول معانى "النظر والفحص والتمييز" ، وما ينتج عن هذا النظر والفحص من إكتشاف للعيوب والخبايا وإنتقاء الجيد والحكم على الردئ . 
 
لا ريب أن الناقد المعاصر بات فى حاجة إلى بعض المؤهلات و القدرات الخاصة التى تؤهله لممارسة العمل النقدي الموضوعى ، ومن أهم هذه القدرات هى مخزونه الفطري الذي يمارسه بموهبة خاصة تحرضه على التفكير النقدي بدأب وحماس بعيدًا عن الأهواء والميول الشخصية ، وبطاقة وجدانية تقترب به من منطقية الإدراك وعقلانيته، وصولًا في النهاية  إلى نتائج مفيدة وقراءة واعية شاملة ،  فالنقد عملية علمية تتضمن التحليل المنطقي للعمل الفنى وعناصره ، وكذلك التعليل لمدى الحكم على نجاح العمل أو فشله ببراهين ورؤى تبرر اتجاه النقد باستخدام مدرسة النقد التي يراها قابلة للتطبيق في كل حالة ..
 
يبدو أن النقد الأدبي والفني بات مُستباحًا ومُتاحًا لكل عابر سبيل ، ولما لا و وسائل الإعلام عايزة  تحمي وتسخن " فُرن الإثارة والاسترزاق " ، و أهي عاده يا عباد الله ولا يقطع لكم عادة وبشكل خاص في أزمنة مواسم الإنتاج والعرض للأعمال الفنية والدرامية كمواسم أجازات نصف العام والصيف والأعياد و و موسم   " سنوية شهر رمضان المبارك " ، وعندنا البضاعة النقدية جاهزة للتقطيع والتعليق وإطلاق الافتكاسات الساذجة التقليدية والاتهامات الموسمية السابقة الطبخ بمجرد رؤية مُقدمات وإعلانات الأعمال ، وأثناء عرض الحلقات الأولى بنفس ذات الكليشهات وعلى لسان نفس أشاوس الدفاع عن شرف البيت المصري ، و صون تعاليم الأديان وصحيحها ، و الزود عن أصول التربية والتنشئة ، و قدسية المهن وآدابها وتقاليدها وحُرمات انتقادها ، وقواعد الفن النظيف ( المتشطف يعني ) ، وسمات الجدعنة الصعيدية ، والكرم الشرقاوي ، والنباهة المنوفية ، والحرص الدمياطي... وقائمة طويلة هي أصناف لوجبة شهية يقبل عليها فرحًا شباب الإعداد الإذاعي والتليفزيوني وكُتاب التقارير الإخبارية لصفحات الفن والمهيصة والفرفشة ..
 
وفي مقابل وجود تلك الميلشيات السنوية  وأشاوس مدرسة " النقد على ماتفرج " لا يوجد لدينا سوى عدد محدود من النقاد المحترفين المؤهلين للتفاعل الجاد والمُفيد مع كل أطراف العملية الإبداعية ، لتقديم قراءة نقدية للأعمال الفنية على أسس مهنية وأكاديمية .