في مثل هذا اليوم 10 اكتوبر1799م..
تدهورت الأوضاع فى فرنسا أثناء وجود نابليون فى مصر نتيجة الهزائم التى واجهتها فى أوروبا، وسخط الشعب على الإدارة التى كانت تدير أعمال الحكومة (حكومة الديركتوار كما كانت تسمى)، ووجد نابليون أن وجوده فى فرنسا أهم كثيرا من الحملة التى يقودها فى مصر، خاصة بعد فشله فى سوريا، ويأسه من حصوله على إمدادات من باريس، فقرر أن يغادر مصر بعد أن استقر رأيه على اختيار «الجنرال كليبر»، قائد الإسكندرية، ليخلفه فى قيادة الجيش.

وقبل أن يرحل نابليون عن مصر فى مساء يوم 22 أغسطس 1799 كتب عددا من الرسائل، منها هذه الرسالة إلى الجنرال «دوجوا» قائد حامية القاهرة، يقول له فيها: عندما تصلك هذه الرسالة سأكون فى عرض البحر. إن الظروف تجعل من وجودى هناك أمرا محتما. إن لدى الجنرال كليبر تقديرا وصداقة لك. كن على ثقة أنه خلال الشتاء سوف يصل أسطول البحرية الفرنسية وعندئذ ستتمكن من العودة إلى فرنسا ومزاولة عملك فى الهيئة التشريعية. إذن استخدم موهبتك وحزمك لحفظ الهدوء فى هذه المدينة الكبيرة، وهى مركز مصر ومركز الجيش فى آن واحد. كن على ثقة أنه مهما كان المكان الذى ستضعنى فيه الظروف فإننى سأحتفظ دائما بالتقدير والصداقة اللذين أوحيت لى بهما.

ويكتب نابليون إلى «الجنرال مينو» قائد حامية أبوقير (رسالة 4756 بتاريخ 22 أغسطس 1799) يقول له: عليك الذهاب فورا إلى الإسكندرية وتتولى قيادة الإسكندرية ورشيد والبحيرة (وهى نفس الأقاليم الثلاثة التى كان يتولى قيادتها فى بداية الحملة). سأرحل هذا المساء إلى فرنسا. لابد أن الجنرال كليبر سيصل خلال يومين أو ثلاثة إلى الإسكندرية وعليك تسليمه اللفافة المرفقة، وسأرسل لك نسخة منها بوسيلة أكثر أمنا. سوف يرحل الجنرال مارمون معى، وحتى نمنع الشائعات السيئة أرجو أن ترسل إلى الجنرال كليبر النشرة الخاصة بإبحارنا حتى تختفى الفرقاطات وتنقطع منها الأخبار. أبلغ الجنرال كليبر أن السفينة «الجيرم نابولونيز» فى الرحمانية، وقد تركت 180 حصانا من سلاح المرشدين الراكبين، عليك إرسالها إلى القاهرة لإتمام سلاحى المرشدين والفرسان. لا ترسل الرسالة المرفقة للجنرال دوجوا بالقاهرة إلا بعد 48 ساعة من اختفاء الفرقاطات المسافرة عن الأنظار. بونابرت.

ويودع نابليون «الجنرال جينو»، قائد حامية السويس، برسالة بنفس التاريخ (رسالة 4757) يقول له فيها: عندما تتسلم هذه الرسالة سأكون قد ابتعدت كثيرا عن مصر. لقد أسفت لأننى لن آخذك معى فقد كنت بعيدا جدا عن المكان الذى أبحرنا منه. لقد أعطيت أمرا إلى الجنرال كليبر أن يتركك تعود خلال شهر أكتوبر القادم إذا كانت ظروف المكان الذى سنلتقى فيه مواتية. أرجو أن تعتقد فى مواصلتى بالشعور نحوك بصداقة رقيقة أكتبها لك.

ويوجه نابليون رسالة إلى جيشه فى مصر يوم 22 أغسطس 1799 يشرح فيها سفره قائلا: أيها الجنود، إن الأخبار الواردة من أوروبا تحتم علىّ السفر إلى فرنسا، وقد تركت قيادة الجيش للجنرال كليبر، وسيتلقى الجيش قريبا أخبارى ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك. يعز علىّ أن أفارق الجنود الذين ارتبطت بهم بأوثق الروابط، لكن هذا الفراق ليس إلا وقتيا والقائد الذى تركته لكم حائز لتمام ثقة الحكومة وثقتى. بونابرت

كانت السفن المعدة لسفر نابليون ورفاقه على أهبة الإقلاع فى العاشرة مساء يوم 22 أغسطس، وقد ركب نابليون الباخرة «لامويرون» التى كانت راسية بالقرب من برج السلسلة بطرف الميناء الشرقية. وقد ضمت رحلة نابليون أربع سفن ظلت تمخر عباب البحر المتوسط والمخاوف تكتنفها 48 يوما (تاريخ الحركة القومية للمؤرخ عبدالرحمن الرافعى الجزء الثانى) إلى أن رست فى خليج «فريجوس» جنوبى فرنسا يوم 10 أكتوبر 1799 فنزل نابليون إلى بر البلاد التى كانت تنتظره ليتولى مقاليدها...!!