كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
يبدو أن الدراما التليفزيونية و هؤلاء القائمون عليها لم يعد من بيت اهتماماتهم التجدد والمزيد من الاهتمام بتسبيك الطبخة بحرفية ومهارة تضيف إلى المتلقي الثقافة الجديدة بجوار المتعة والدهشة .. لم يعد يعنيهم سوى نجوم التمثيل والمكاسب المادية وشحن الأشرطة بالثرثرة واللغو في موضوعات متكررة لا إبداع فيها ولا دراية بفن التعبير المرئي  .
 
ولا أرى غرابة في استمرار الحال على ماهو عليه مع غياب حركة نقدية واعية ، وعليه لم يلاحظ أي من النقاد أن الكثير من الأعمال الدرامية يمكنك كمتلقي متابعة الأعمال بالاكتفاء بالشريط الصوتي وكأننا بصدد دراما إذاعية ، وعليه لم يفرحوا ويقدروا متعة الصورة الدرامية في مسلسل " الفتوة " ولم يتناولوا بالتفصيل دراما الضوء وعبقرية الدراما التي يوحي بها المكان ، وزاوية الرؤية التي تحكي البعد التاريخي ، والإضاءة التي تضيف الملمح الأسطوري البديع .. اللغة السينمائية لغة الصورة لم تدهش ناقد واحد بينما هي تحتاج كتاب ليتحاور فيه الناقد مع المخرج ويسأله كيف اخترت معاونيك من أهل إبداع تلك
 
الصورة البديعة وعشرات من الملاحظات التي تصنع من المتلقي مشاهد أخر جديد غير المشاهد الذي يقولون أنه يطلب دراما السذاجة والعباطة والقتل والدماء المسالة ودراما الموضوع الواحد .. أراهن لو كانت لدينا مراكز بحثية ونقدية لاكتشفوا أن 90 % من مسلسلاتنا هي تنويعات على حدوتة الضراع على الميراث !!!
 
الغريب أن يزدهر هذا الشكل الدرامي ، أي المسلسل التليفزيوني الذي قد تتجاوز حلقاته احيانا المئة عندما تمتد بسبوبة الأجزاء، يخدث هذا في الوقت الذي تقوم بعض دور النشر في إنكلترا وأميركا وفرنسا بتقديم طبعات مختصرة للأعمال الروائية الكلاسيكية ، وذلك لسرعة إيقاع الحياة ، فالقارئ لم يعد لديه الوقت حتى يقرأ النص الأصلي الذي كتبه تولستوي لرواية " الحرب والسلام " أو رواية " الإخوة كرامازوف " لدوستويفسكي أو النص الأصلي لرواية " توم غونز " لهنري فيلدنج أو رواية " البؤساء " لفيكتور هيغو بأجزائها التسعة وغيرها من الروايات الطويلة للغاية..
 
 ، ولكن لما سبق أن ذكرنا أن المسلسلات التليفزيونية الطويلة تلقى شغفًًا وإقبالاً من المتفرج بوجه عام في كل مكان من الدنيا ، وربما يرجع السبب في هذا إلى تقسيم العمل الدرامي التليفزيوني إلى حلقات إنما يوفر الوقت للمتفرج فيستطيع أن يشاهد كل يوم حلقة في مضمون أربعين دقيقة ، أو ساعة على الأكثر ، ويوفر المسلسل للمتفرج إثارة يومية عندما يجد نفسه شغوفًا إلى معرفة ما سيحدث كل يوم ..
 
وفي هذا المقام يؤكد السيناريست الكبير مصطفى محرم إن سيكولوجية المتفرج للمسلسل التليفزيوني قد تختلف عن سيكولوجية المتفرج للفيلم في دور السينما ، ربما متفرج الفيلم السينمائي يملك من حرية الوقت أكثر من متفرج التليفزيون ، إن متفرج السينما قد قرر مع سبق الإصرار الخروج من بيته أو عمله وهو يرغب في تناول جرعة من الترفيه قد تستغرق وقتًا طويلاً من الذهاب والمشاهدة والإياب أو التسكع بعد المشاهدة ، قد يريد متفرج السينما أن يبتعد عن بيته هربًا من مشاكل أسرته وهو في ذلك يختار الوقت المناسب ، وإذا كان هذا المتفرج يعيش بمفرده ويشعر بالوحدة فإنه يذهب إلى مجتمع مؤقت وهو جمهور دار السينما الذي يتحد معه في الهدف وهو الرغبة في التسلية والمتعة ، فيضحك مع من يضحكون ويبكي مع من يبكون ويمارس شتى العواطف الإنسانية في مشاركة وجدانية قد لا يحصل عليها أمام جهاز التليفزيون ، ولذلك فإن مشاهدة الفيلم السينمائي في التليفزيون تختلف في تأثيرها عن مشاهدة نفس الفيلم في دار العرض .
 
وللمقال تتمة لمناقشة حكاية النقد اللي بعافية شوية !!!