بقلم / نجيب محفوظ نجيب

أطللت من النافذة أنظر ما يجرى في الشارع ..رأيت عددا كبيرا جدا من البشر ...
لماذا كل هؤالء الناس؟ وكأنهم قد أعلنوا الحرب على أبناء الحى الذى أسكن فيه ...
تساءلت واستفسرت وجاءتنى اإلجابة: انه الغريب ...
شخص غريب ظهر فى الحى ...
مر الوقت وأنصرف الناس كل إلى عالمه الخاص دون أن يعرفوا عن الغريب شيئا
أما هو وبعد أن وجد نفسه وحيدا بدأ يمضى إلى غايته ولكننى لحقت به و أستوقفته
هو شاب مالمح وجهه مصرية... له عينان واسعتان تحمالن عمقا واضحا
يبدو أنه قد ضل طريقه ...
بدأت حديثى معه ...
لم يرد على فظننت أنه لم يسمعنى ...
أعرف أن التفاف الناس حولك البد وأن يكون قد أزعجك ...
عدت وكررت ما قلت ولكنه لم يرد لعله ال يتكلم ...
ظننت أنه أبكم ولكنه فاجأنى...بدأ ينطق حروف لغة أستطيع أن أميز بعض حروفها
إنها لغة األجداد : اللغة المصرية القديمة
أستمعت إليه دون أن أنطق بكلمة واحدة ودون أية محاولة منى للتفاهم أو التواصل...
ألننى بمنتهى البساطة ال أستطيع أن أفهم أو أتكلم نفس اللغة التى يتكلمها ...
فأنعدم التواصل بيننا
وعندما أنتهى من كل ما أراد أن يقوله
استيقظت من النوم فلم أجد أى أثر ألى شخص غريب أتحدث معه
كنت أحلم...نعم كنت أحلم
ويا ليتنى لم أستيقظ ألنه إذا كان الحلم مرا فإن الحقيقة والواقع أكثر مرارة
فنحن قد نسينا لغتنا بأنفسنا بل وأكثرمن هذا
نحن ال نريد أن نعرف ماذا حدث فى الماضي و ال نريد أحدا أن يسألنا ماذا سيحدث
فى المستقبل ؟؟؟
ألننا فقط نعيش الحاضر و ننسى الماضى و ال نفكر فى المستقبل
و أخاف أن يأتي اليوم الذى ننسى فيه أيضا الحاضر !!!
فتخيلوا معى يوم أن ينسى اإلنسان الماضي والحاضر والمستقبل
عندئذ سوف ينسى أنه إنسان ويصبح مجرد شبح إنسان ...