سحر الجعارة
فى المقال السابق كتبت عن كشف المفكر التنويرى «إسلام بحيرى» بالوثائق لكوابيس القتل والترويع والنفى التى أهدرت الإسلام كله لتأسيس الدولة العثمانية.. والذى كان بداية لتكريس «الإسلام السياسى» بتوظيف حديث موضوع: (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش).. لشرعنة المذابح الدموية التى صاحبت الفتح أو «الغزو»، حتى وصلنا إلى اختراع تلامذة أبى حنيفة لفتوى «القتل سياسةً».. وهذا ما استخدموه ضد شعب مصر لإحباط أى عصيان أو تمرد على الحكم العثمانى الهمجى.

استكمل «بحيرى» رؤيته عبر برنامج «البوصلة»، المُذاع على قناة ten، والذى أعتقد أنه يجب تدريسه بالفعل، خاصة بعدما فتح «إسلام» ملف جماعة «الإخوان الإرهابية».. فمنهج الدولة العثمانية يمكن أن تعتبره المرجع الأول لتسخير «الدين» للسلطة، فالدولة العثمانية هى من وضعت كتالوج غزو الأوطان واستحلال الأرواح والأموال، وهى من أقرت أن فكرة «الخلافة الإسلامية» تقضى على «السيادة الوطنية» أى الحدود.. وهو نفس المبدأ الذى يتحرك به الإخوان حتى اليوم.

يذكر «إسلام» بعض جرائم العثمانيين فى مصر من كتاب «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» للمؤرخ المصرى «محمد بن إياس»، الجزء الخامس ص156... يقول «ابن إياس» عن جرائم العثمانيين فى مصر: «ثم إن العثمانية طفشت فى العوام والغلمان من الذعر وغير ذلك، ولعبوا فيهم بالسيف، وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لا جنى، فصارت جثثهم مرمية على الطرقات، فكان مقدار من قُتل فى هذه الواقعة من بولاق إلى الجزيرة الوسطى إلى الناصرية إلى الصليبة فوق العشرة آلاف إنسان فى مدة هذه الأربعة أيام، ولولا لطف الله تعالى لكان لعب السيف فى أهل مصر قاطبة».

وعن نهب العثمانية لمصر يقول «ابن إياس»: «انفتحت للعثمانية كنوز الأرض بمصر فراحوا ينهبون ما فيها من قماش فاخر وسلاح وخيول وبغال وجوار وعبيد وغير ذلك من كل شىء فاخر».. وكانت القاهرة مشهورة بتراثها المعمارى الذى حرص عليه حكامها السابقون من الفاطميين والمماليك، لكنه تعرّض للحرق والنهب والهدم على يد بنى عثمان الذين هدموا المساجد ذات الطرازات المميزة، مثل جامع شيخو، ووصف ابن إياس «العثمانية» بأنهم «قوم همج».

لكن تم إسناد كتابة تاريخ الدولة العثمانية فى مصر لمن هم من أصل تركى، فتم إخفاء كلمة غزو وقالوا إنه فتح وتم إخفاء جرائم العثمانيين.

لقد هاجت السوشيال ميديا ووسائل الإعلام حين وصف «بحيرى» مشهداً فى صلاة الجمعة فى كنيسة «آيا صوفيا» التى اغتصبها «أردوغان»، وكتب على صفحته على الفيس بوك أن: «مشهد الخليفة -الموهوم- أردوغان، مشهد يلخص كيف استُخدم «الإسلام» فى عصور الخلافة.. مفيش مشاكل خالص إنك تكون قاتل سفاح سفاك.. تدعم الإرهاب فى كل البلاد العربية بالمال والعتاد والسند.. وتسفك بسببه دماء مئات آلاف الأرواح البريئة!.

ومفيش مشاكل نهائى تقتل أجناس كاملة ذبحاً وتتفاخر بكده من أرمن مسيحيين للأكراد المسلمين لمجرد إنك شايف إن إبادتهم مريحة نفسياً ليك..

ومفيش مشاكل أبداً تنهب خيرات الدول من غاز لبترول لأراضى وتسطو على مقدرات بلاد بالاغتصاب والبلطجة.. ومفيش مشاكل تماماً تتآمر وتخون وتعتدى وتحتل أجزاء من دول مستقلة زى العراق وسوريا وقبرص وجزر اليونان وبحر إيجه وكريت وليبيا ومياه المتوسط.

ومفيش مشاكل إطلاقاً إنك تعبث باستقرار دول فيها ملايين البشر وتدعم معارضيهم القتلة وتفتح لهم القنوات والأموال اللى بتسعى لتدمير حياتهم وتقسيم مجتمعهم وتفتيت بلادهم.

مفيش أى مشكلة تعيش قاتل خائن متآمر سفاك دماء سارق معتدٍ مزور وضيع بلا شرف ولا مبدأ.. لكن أهم شىء بعد كل ده: تروح يوم الجمعة فى (آيا صوفيا)، تقرأ الفاتحة ترتيلاً مع فواتح سورة البقرة، وتلبس العمامة البيضاء وتُظهر الخشوع فى صلاتك، وتقدم نفسك كراعى للمسلمين فى العالم، وإمام الإسلام الأوحد.

كل الحكاية: أردوغان بيعيد تمثيل مشهد أجداده الخلفاء.. بس بشكل عملى».

وهكذا لخص «بحيرى» مأساة الشرق الأوسط الآن، الدولة العلمانية التى أرساها «أتاتورك» تحولت إلى عاصمة للإرهاب، بعد أن عصف «أردوغان» بالدستور والقضاء، وعرّى قيادات جيشها، ثم استعان بالمرتزقة السوريين للإغارة على دول الجوار.. إنها «إعادة إنتاج» لخطة مجربة ولكن تحت لافتة «الخلافة الإسلامية».

عادة ما يدخل «إسلام» الأراضى الملغمة دون أن يتحسس موطئ قدميه، إن كل همه، (أو ذنبه)، تنقية وجه الإسلام من تهم الإرهاب واضطهاد النساء والقتل على الهوية.. لكننا فى كل مرة للأسف نصطدم بواقع سيئ يؤكد أن الإسلام لم يعد إلا عباءة مطرزة بأحاديث مكتوبة أو تفسيرات مغلوطة للقرآن، يرتديها أى مجرم حرب أو قواد كأردوغان وينصب من نفسه «خليفة للمسلمين» أو يعلن «الجهاد العالمى» باسم الإسلام.. فعلها (من محمد الفاتح إلى بن لادن، البغدادى، مهدى عاكف).. وغيرهم، ولم يكن الهدف إلا السطو على «السلطة»!.

«السلطة» هى كلمة السر التى تفك طلاسم التاريخ الإسلامى من الدولة الأموية إلى أحلام «أردوغان» التوسعية.. والبحث عن الحقيقة ليس تهمة ولا هرطقة ولا زندقة.. السعودية أسست هيئة لتنقية الأحاديث النبوية من الأحاديث الضعيفة والمكذوبة ونبذ ما يحرض فيها على العنف والإرهاب!.

حين أصدر الملك «سلمان بن عبدالعزيز آل سعود» أمراً بإصدار رخص قيادة السيارات للمرأة فى السعودية، خرج الأمين العام لهيئة «كبار العلماء» الدكتور «فهد الماجد»، ليقول: «إن علماء الشريعة كلهم قرروا أن تصرُّف الراعى على الرعية منوط بالمصلحة العامة للرعية، وعليه فإن (ولى الأمر) لن يختار إلا الأنفع والأصلح بكل قراراته»!.

أما «مصر المدنية» فلا تزال مؤسستها الدينية الرسمية تنازع السلطة الشرعية على الحكم.. وهو موقف هزلى نسدد نحن ثمنه من حريتنا.
نقلا عن الوطن