منى مكرم عبيد
رغم تأجيل قمة الاتحاد الأوروبى، إلى الخامس من أكتوبر المقبل، إلا أن التوقعات كلها تشير إلى توافق أوروبى على فرض بعض العقوبات على أنقرة، نتيجة الانتهاكات التى قامت بها فى شرق البحر المتوسط، والتعدى على حقوق كل من اليونان وقبرص من الغاز فى هذه المنطقة الحيوية، وبالرغم من المناورة التركية باتخاذ بعض الخطوات ظاهرها تراجع عن موقفها المتصلب، وباطنها مناورة جديدة من الرئيس التركى، إلا أن الموقف الأوروبى لا بد أن يتماشى معه موقف مصرى وعربى أيضا.

فرنسا من جانبها تقود جبهة أوروبية قوية مع اليونان وقبرص وهولندا لمنع تركيا من التعدى على حقوق الدول الأوروبية، ويتخذ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون موقفه نتيجة محاولة السفن التركية إطلاق النارعلى سفن فرنسية بالبحر المتوسط، أثناء قيامها بمهام منع إرسال سلاح إلى ليبيا'>ليبيا عبر البحرالمتوسط، وهو ما اعتبرته فرنسا تدخلا عنيفا من تركيا، وتزامن مع ذلك حرب كلامية بين باريس وأنقرة، ولكن فى هذا الموقف تحديدا تحافظ فرنسا على كبرياء أوروبا عامة، وحفاظا على المصالح الفرنسية أيضا، فالعبث الذى تقوم بها تركيا فى البحر المتوسط وليبيا'>ليبيا له تداعيات خطيرة على تدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى ليبيا'>ليبيا، ومن ثم إمكانية تنقلهم إلى أوروبا عبر الحدود الإيطالية والفرنسية القريبة من السواحل الليبية.

الموقف الفرنسى يتماشى مع المصالح المصرية والأمن القومى العربى، التدخل التركى فى سوريا وليبيا'>ليبيا فاق كل التوقعات، ولم يعد بالإمكان الصمت إزاء الخروقات التركية فى الشرق الأوسط، ومنذ اندلاع الأزمة السورية فى 2011، وانشغال مصر بالأحداث التى شهدتها بداية من 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013، ثم العمليات الإرهابية التى أنهكت رجال الشرطة والجيش طوال السنوات الماضية، حتى تم اقتلاع جذور الإرهاب من مختلف أنحاء الجمهورية، تواصل تركيا التحريض على الدولة المصرية من خلال استضافة عدد من الشخصيات والأبواق الإعلامية، إلى جانب التعاون مع حكومة فايز السراج فى ليبيا'>ليبيا

لتضييق الخناق على مصر، حتى خرج التصريح الشهير للرئيس عبد الفتاح السيسى بأن سرت والجفرة خط أحمر، ومصر لن تسمح لأى قوات أجنبية بتجاوز هذه النقاط.

المرحلة الراهنة تتطلب تعاونا مصريا فرنسيا يونانيا قبرصيا، من أجل تضييق الخناق على التحركات التركية فى المنطقة، وتفكيك المصالح التى أسسها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان خلال السنوات الماضية، وإذا كان هناك محاولات ابتزاز على أوروبا بملف اللاجئين والهجرة غير الشرعية، من الممكن أن تتعاون هذه الدول الأربعة المشار إليها فى زيادة الدوريات وتنشيط الحدود البحرية لمنع تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، بدلا من الخضوع للابتزاز التركى ومنحه مزيدا من ملايين اليورو فى مقابل عدم وفاء أنقرة بتعهداتها.

منذ سنوات طالب أردوغان بالحصول على 3 مليارات يورو سنويا من أجل وقف تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من تركيا إلى أوروبا، وتلقى المزيد من الأموال قبل أن يتراجع عن اتفاقه، الآن هناك دول تحاول امتصاص الغضب الفرنسى اليونانى وتسعى لإقناع تركيا بقبول بعض الشروط فى مقابل مساعدات مالية وحوافز، والقبول بالابتزاز التركى، وهو الأمر الذى كان محل خلاف بين باريس وبرلين طوال الأسابيع الماضية، ولكن أعتقد أن توافق كل من فرنسا، مصر، اليونان، قبرص على تشكيل قوة بحرية وعسكرية واقتصادية بالبحر المتوسط، من شأنه وقف كل المحاولات الأردوغانية فى ابتزاز أوروبا بملف اللاجئين، كذلك وضع حد لتسليح الجماعات الإرهابية والعناصر المسلحة فى ليبيا'>ليبيا، وتهديد الأمن القومى المصرى.

وخلال لقائى مع عدد من الشخصيات الأوروبية أشعر بأن هناك ازدواجية فى بعض المواقف، وخضوع أوروبا للابتزاز التركى على حساب المصالح الأوروبية العربية، وبالتالى المرحلة الراهنة تتطلب دبلوماسية عربية سريعة وعاجلة من أجل التشاور مع القادة الأوروبيين وتزويدهم بالمعلومات والأدلة اللازمة التى تثبت تورط تركيا فى دعم الجماعات الإرهابية وزعزعة الاستقرار فى الشرق الأوسط المتوسط وبالتالى تهديد السلم العالمى.

التشاور المصرى العربى مع القادة الأوروبيين ضرورة، التدخلات التركية فاقت كل الحدود، ومصر دفعت الثمن كثيرا بداية من عصر الخلافة العثمانية التى وضعت مصر فى مرحلة حرجة وزادت فى هذه الحقبة الديون، وحتى وقتنا الحالى من دعم أنقرة للإرهابيين، إلى جانب أنه لا بد أن يكون لنا موقف واضح من التعنت التركى ضد المصالح اليونانية، اليونان تربطها مع مصر علاقات تاريخية قديمة، وعلينا الحفاظ عليها أكثر من أى وقت مضى.

* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم