رفيق جريش
ربما نطق الجنرال الرئيس ميشيل عون رئيس جمهورية لبنان بالصدق عندما قال فى المؤتمر الصحفى يوم الإثنين الماضى إن الحالة فى لبنان تحتاج إلى «عجيبة» أى معجزة، واختتم المؤتمر على سؤال لإحدى الصحفيات «لبنان ذاهب إلى أين؟ وأجاب فوراً إلى «جهنم» فما بين المعجزة وجهنم هوة عظيمة ولكن فى الحالة اللبنانية وعلى لسان رئيسها تتساوى «المعجزة» مع «جهنم» جاعلاً الكلمتين مرادفتين لكلمة «يأس» وهل هناك يأس مع الحياة؟ خاصة الشعب اللبنانى الذى لا يعرف إلا الحياة حتى لو قارب الموت، ففى كل مرة يشارف الموت يقوم من جديد رغم الخطاب الواهن والهزيل ولكن الصريح لرئيسه إثر الفشل الذى اعترى تشكيل حكومة لبنانية وذلك بسبب تصميم القوى السياسية خاصة حزب الله وحركة الأمل هناك على تشكيل الحكومة وتوزيع حقائبه على أساس طائفى رغم أنه غير مذكور فى الدستور، ولكن حزب الله يريد أن يستحوذ على حقيبة وزارة المالية، والمعنى فى بطن الحزب، بينما كان الاتفاق مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ومبادرته وغيره من الدول أن تشكل حكومة تسيير أعمال مكونة من تكنوقراط لإخراج البلاد من كبوتها.

لبنان هذا البلد «الصغير حجماً والكبير حضوراً ورسالة» يتعرض شعبه لنكبات متتالية أولاها: الوضع الاقتصادى المزرى حتى إن البنك الدولى لن يقرض لبنان إلا إذا وجد استقرار سياسى، وثانياً: هجمات الكورونا ونقص الأدوية والأسِرة، وثالثاً: فساد الطبقة السياسية التى فاقت كل تصور.

فقد مر أكثر من خمسين يوماً على نكبة بيروت وانفجار «عش الغراب» الذى ضرب قلبها عند مينائها ولا تزال التحقيقات فى الحادث يكتنفها الغموض، واللبنانيون والعالم معهم يسألون ويتساءلون عن الحقيقة فالضحايا كثر وأولهم لبنان ذاته. فرق التحقيق المحلية والدولية أرسلت إلى الموقع لكشف السبب الحقيقى وراء الحادث وحتى الآن لم يتم الكشف عن أى تقرير. ويجرى اعتباره «حادثاً» نتيجة إهمال محتمل تم فيه إشعال النيران فى مادة غير قابلة للاشتعال فى ظروف غامضة. لجعل الأمور أكثر إرباكاً وبعد نحو الشهر من الانفجار اندلع حريق فى الموقع ذاته، مما أدى إلى احتراق جزء من مستودع المساعدات الغذائية للصليب الأحمر الدولى. مما أثار الحادث الكثير من الشكوك وسيطرت نظريات المؤامرة على الكثير من ردود الفعل مع إشارات تتهم لاعبين رئيسيين فى المنطقة بالاستفادة من تدمير مرفأ بيروت. فنحو 200 شخص لقوا حتفهم، وشرد 300 ألف شخص ودمرت ممتلكات بمليارات الدولارات، وها هو يوم الثلاثاء انفجر مخزن سلاح لحزب الله فى جنوب لبنان حول مدينة صور وسقوط جرحى، ولم يعرف السبب هو بل مبهم حتى لحظة كتابة هذه الأسطر. وإلى الآن لم يتم الكشف عن أى دليل أو مسؤول عن تلك الأحداث على الرغم من الكلام عن فساد وسوء إدارة طال معظم المسؤولين عن مرفأ بيروت. وأكثر من ذلك أوقف عدد من المسؤولين، لكن أحداً لم يحاكم بعد خوفاً من رد فعل سياسى كبير.

إضافة إلى ذلك ربما تكون الحقيقة واضحة كعين الشمس فى وسط النهار ولكن يتم إخفاؤها بحجة الحفاظ على الأمن الهش فى لبنان. فهناك لعبة القط والفأر، إسرائيل تتحجج بوجود حزب الله فى لبنان تبريراً لتسلحها وسياستها الاستيطانية شديدة الخطورة، وحزب الله يتحجج بتسلحه وازدياد قوته بأنه السد المنيع الذى يصد أى اجتياح إسرائيلى للبنان، ولكن فى تقديرى المتواضع إسرائيل وحزب الله يحتاجان لبعضهما البعض، إسرائيل تحتاج لحزب الله لتبرير تسلحها وسياستها تجاه القضية الفلسطينية، وحزب الله يحتاج إلى إسرائيل لتبرير تواجده وتسلحه واختطاف لبنان من لبنانيته. الأولى أعدت اتفاق سلام وتعايش مع الدول المطلة على الخليج العربى لأن العدو المشترك هو إيران، والثانى ينتظر وتنتظر معه إيران لحظة الانقضاض على لبنان لتحويلها إلى إمارة إيرانية شيعية إسلامية متطرفة (والإسلام كدين منه براء) ولبنان المسكين هو الضحية ومعه كل حضارة الانفتاح وحب الحياة والتسامح والعيش المشترك وكل القيم التى يمثلها لبنان.

الآن ليس الوقت للمنافع السياسية لأن البلاد تتدهور بشدة والفساد لا يزال دون رادع. فلم يكن الانفجار كارثة فحسب، بل هو أيضاً رمز للإهمال والتراخى الذى تواجهه البلاد منذ أكثر من 25 عاماً. على هذا النحو، من يدرى ما هى الانفجارات الموقوتة الدفينة فى لبنان؟ ومن يدرى قد تحصل المعجزة ويقوم لبنان من جديد بسواعد وإرادة أبنائه وليذهب إلى جهنم كل من أراد جهنم للبنان.
نقلا عن المصرى اليوم