تاريخ مصر ملئ بالأبطال الذين دافعوا عن وطنهم ضد المعتدين والطامعين 

وواحد من هؤلاء الابطال هو اخر سلاطين المماليك في مصر وهو " طومان باي " الذي دافع عن مصر ضد الدولة العثمانية 
ورفض كل الاغراءات التي عرضها العثمانيين عليه ليتخلى عن الدفاع عن مصر 
سنوضح في هذه الحلقة تفاصيل حياة طومان باي اخر سلاطين المماليك في مصر
إعداد وتقديم: بيتر عاطف
اسمه الكامل هو " الأشرف أبو النصر طومان باي " ولد في مدينة حلب بسوريا عام 1474 
وكان احد المماليك التابعين لسلطان مصر " الأشرف قايتباي " 
وعندما اصبح " قنصوة الغوري " هو سلطان مصر في عام 1500 جعل طومان باي قائد لمجموعة من الجنود 
وكان قنصوة الغوري هو عم طومان باي
واستمر طومان باي في الترقي في المناصب
وبعد وفاة الابن الوحيد للسلطان قنصوة الغوري اصبح طومان باي هو الرجل الثاني في مصر بعد السلطان 
وكانت هناك اعمال مهمة كثيرة قام بها طومان باي في مصر 
مثل التصدي لعصيان المماليك على السلطان في عام 1504 عندما حاول بعض المماليك الانقلاب على السلطان قنصوة الغوري 
فتصدى لهم طومان باي وافشل محاولتهم 
وايضاً في عام 1510 عندما قامت مجموعة من المماليك بمهاجمة الأسواق وسرقة ونهم المواطنين 
انطلق طومان باي وواجه هذه المجموعة من المماليك وارجع كل ما سرقوه الى المصريين
وايضاً تصدى لهجمات البدو على القرى والأراضي الزراعية واستطاع منعهم من سرقة المحاصيل الزراعية 
وفي عام 1514 قام السلطان قنصوة الغوري بالسفر الى مدينة الإسكندرية وقام السلطان بتعيين طومان باي " نائب الغيبة " أي نائب للسلطان اثناء غيابه 
واستغل بعض جنود المماليك هذه الفرصة وقاموا بمهاجمة الأسواق لسرقة ما فيها 
ولكن حرص طومان باي على نشر الأمن في القاهرة وإيقاف المماليك ومنعهم من التمادي في النهب والسرقة 
 فأمر " بأن لا مملوكاً ولا غلاماً ولا عبداً يخرج من بعد العشاء ومعه سلاح "
وبذلك استطاع إعادة الامن والأمان الى القاهرة واصبح طومان باي رمزاً للعدل ولذلك احبه المصريين اكثر من السلطان نفسه 
ووصفه المؤرخ المصري " ابن إياس " قائلاً : " فتضاعفت عظمته جداً فلما نزل من القلعة كان له يوم مشهود وفي صحبته سائر الأمراء وأرباب الدولة يتقدمهم الطبل والمزامير "
وقال ايضاً عنه ابن إياس : " وقد رجع والناس عنه راضية وأشيع عنه أخبار حسنة مما فعله من البر والإحسان وفعل الخير والصدقات على الفقراء والمساكين فشكر له الناس ذلك "
وفي عام 1516 عندما جاء السلطان العثماني " سليم الأول " واراد احتلال مصر 
قرر السلطان قنصوة الغوري الذهاب الى بلاد الشام وتحديداً سوريا لقتال الجيش العثماني 
وترك طومان باي ليكون هو المسئول عن مصر اثناء غياب السلطان 
وخرج جيش المماليك لملاقاة الجيش العثماني والتقى الجيشان في منطقة تدعى " مرج دابق " بالقرب من حلب 
وكان المماليك يحققون نصراً في المعركة في بدايتها ولكن قام احد امراء المماليك وهو " خاير بك " بخيانة السلطان قنصوة الغوري وانسحب من المعركة 
و انهزم جيش المماليك بسبب الخيانة وبسبب المدافع العثمانية التي لم يهتم المماليك بتطويرها 
وقتل السلطان قنصوة الغوري في هذه المعركة وغير معروف الى الان المكان الذي دفن فيه 
وعندما وصلت اخبار الهزيمة الى القاهرة 
وتشاور أمراء المماليك لاختيار السلطان اختاروا بالاجماع الأمير طومان باي ليكون سلطان مصر فرفض طومان باي قبول المنصب خوفاً من غدر وخيانة المماليك ولكن الأمراء اصروا على ان يكون هو السلطان 
لكنه أصرّ على رفض المنصب واستمر المماليك يطلبون منه ان يكون هو السلطان ولم يقبل بالمنصب الا بعد ان حلف له الامراء على عدم خيانتهم له وانهم سيرضون بقوله وحكمه فوافق بعدها طومان باي واصبح هو السلطان 
وقام سليم الأول وارسل رسالة الى طومان باي قائلاً : " من مقامه السعيد إلى الأمير طومان باي ، فإن الله قد أوحى إلى بأن أملك البلاد شرقا وغربا كما ملكها الإسكندر ذو القرنين. إنك مملوك تباع وتشترى ولا تصلح لك ولاية، وانا ملك بن ملك ، وقد توليت الملك بعهد من الخليفة والقضاة... وإن أردت أن تنجو من سطوة بأسنا فاضرب العملة في مصر باسمنا وكذلك الخطبة وتكون نائبنا بمصر، ولك من غزة إلى مصر، ولنا من الشام إلى الفرات. وإن لم تدخل تحت طاعتنا، أدخل إلى مصر وأقتل جميع من بها من الجراكسة حتى أشق بطون الحوامل وأقتل الأجنة التي في بطونهن " 
واراد ان يظهر سليم الأول على انه يحارب من اجل الدين لكي يسانده الشعب المصري 
لكن الشعب المصري وقف بجانب طومان باي وسانده في حربه 
وقام طومان باي بتكوين جيش من المماليك والمصريين والعبيد والبدو وايضاً اخرج بعض المساجين من السجن ليساعدوه في الحرب 
وتقابل الجيشين في صحراء الريدانية بالقرب من العباسية في 22 يناير 1517
لكن قام احد امراء المماليك وهو " جان بردي الغزالي " بخيانة طومان باي وأعلم العثمانيين بخطة هجوم المماليك وأماكن تمركزهم 
واستغل العثمانيين هذه المعلومات واستطاعوا محاصرة المماليك وقامت معركة كبيرة سببت خسائر كبيرة في الطرفين لكن الخسائر الأكبر كانت في طرف المماليك 
وانسحب طومان باي الى القاهرة وبدأ في المقاومة وحرب العصابات مع العثمانيين 
واستطاع ان يوقع خسائر كبيرة في الجيش العثماني 
واثار هذا غضب السلطان سليم الأول وقال : " ما كنت أظن أن أقاسي من أحد مثل ما قاسيت في يومي هذا "
وقام العثمانيين بمذابح كبيرة في الشعب المصري ويصفها ابن إياس "بالمصيبة العظمى التي لم يُسمع بمثلها فيما تقدم من الزمان، فقتلوا جماعة كثيرة من العوام وفيها صغار وشيوخ لا ذنب لهم، وحطوا غيظهم في العبيد والغلمان والعوام، ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، فصارت جثثهم مرمية في الطرقات، فكان مقدار من قتل في هذه الواقعة فوق العشرة آلاف إنسان في أربعة أيام، ولولا لطف الله لفني أهل مصر بالسيف"
واستمرت مقاومة المماليك وطومان باي حوالي 3 اشهر 
لكن المقاومة فشلت بعدما استطاع العثمانيين القبض على طومان باي 
عندما كان مختبئ عند احد البدو وهو " حسن بن مرعي " الذي انقذ حياته طومان باي وتعهد له حسن بن مرعي بالولاء 
لكن حسن بن مرعي خان طومان باي وعرف العثمانيين مكان اختبائه 
وعندما عرضوا طومان باي امام سليم الأول اعجب سليم الأول به وبشجاعته وعرض عليه ان يجله الوالي على مصر تحت حكم العثمانيين 
لكن طومان باي رفض 
وامر سليم الأول بسجنه حتى يوافق على ان يصبح الوالي على مصر 
ولكن الامراء المماليك الذين خانوا طومان باي وهم خاير بك والغزالي  كانوا خائفين من بقاء طومان باي حياً لأنه يمكن ان ينتقم منهم فألحا على السلطان سليم بإعدامه لإنه اذا اصبح طومان باي والياً على مصر سيشكل هذا خطراً على الدولة العثمانية 
فاقتنع سليم الأول وامر بإعدامه على باب زويلة 
ويصف ابن إياس مشهد الإعدام وهو شاهد عيان على ماحدث بقوله:
" وكان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر..وتطلع طومان باي الى الباب فرأى حبلاً يتدلى، فأدرك أن نهايته قد حانت.. وتقدم نحو الباب بخطى ثابتة.. ثم توقف وتلفت إلى الناس الذين احتشدوا من حول باب زويلة.. وتطلع إليهم طويلاً.. وطلب من الجميع أن يقرؤوا له الفاتحة ثلاث مرات.. ثم التفت إلى الجلاد، وطلب منه أن يقوم بمهمته. فلما شُنق صرخت عليه الناس صرخة عظيمة، وكثر عليه الحزن والأسف فإنه كان شابا حسن الشكل كريم الأخلاق، سنه نحو أربع وأربعون سنة، وكان شجاعا بطلا تصدى لقتال ابن عثمان، وفتك في عسكرهم وقتل منهم ما لا يحصى، وكسرهم ثلاث مرات وهو اقل منهم عدداً 
وبذلك انتهت دولة المماليك في مصر بنهاية احد اهم الابطال الذين دافعوا عن وطنهم 
وبدأت بعدها عصر جهل وظلم في مصر لأكثر من 300 عام 
 
 
مراجع المعلومات
بدائع الزهور في وقائع الدهور - ابن إياس
انفصال دولة الأوان واتصال دولة بني عثمان - بن زنبل
ويكيبيديا