د. مينا ملاك عازر 

عندما تشعر بقرب نهايتها، تذهب البجعة إلى الشاطئ لتطلق تغريدتها الأخيرة وتموت في صمت، البطل أيضاً في روايتنا هذه يقترب من نهايته حيث يجتر ذكريات عدة، الحب، الأصدقاء، الأهل، علاقته بالأجانب، رؤيته لأطفال الشوارع، واحتكاكهم به من خلال تصوير فيلم عن حياتهم، يدرك أن حياته فارغة ويبتعد كثيراً عمّا كان يخطط لحياته مع حبه الأول.
 
عنونة المقال بعنوان الرواية لأني لا أستطيع أن أجد عنوان أفضل من العنوان الذي عبر عن أحداثها، كما أسلفت الإشارة بإيجاز، كما أنني لا أستطيع أبداً القول بأنني اقدم لحضرتك صديقي القارئ، تحليلاً أدبياً للرواية التي أتت على شكل حكاية على لسان البطل مصطفى حتى وهو يروي لحظة رحيله في رحلته النهائية من عالمنا هذا، ترك لسانه يروي لنا ما رآه حتى ارتاح.
 
تغريدة البجعة للكاتب الراحل المحترم مكاوي سعيد، رواية لم تجذبني في البداية رغم أنني قررت قراءاتها حباً في كاتبها، وخاصة أنها كانت آخر رواياته قبل أن يرحل كبطل روايته عن عالمنا بفارق بسيط، أن الكاتب رحل بغير يد منه، أما البطل في الرواية فهو الذي اختار النهاية وطريقتها، بالأدوية التي كان يتجرعها لتشفيه من مرض نفسي يبدو أنه ألم به فور فقده لحبه الأول الأخير في أيام الجامعة، صاحبه هذا الحب بالرغم من كل نزواته النسائية وارتباطاته واقترابه من الزواج من أجنبية أمريكية كانت تحبه، لكن البطل لم يستطع إلا أن يحب الحب الأول، وقفز من العالم حين وجد نفسه قد فقد صلة تقوده منذ زمن، وشعر أن حياته فارغة، وأنه لا جدوى مما يقوم به، وضحى بكل أمواله التي كان يحصل عليها من تعليم الأجانب في مصر، اللغة العربية وأمواله التي حصل عليها من سفرياته في بلدان الخليج العربي.
 
قدم مكاوي سعيد تحليلاً ممتعاً لنقاط محددة في مجتمعات الخليج كالإمارات والسعودية، وأبدع في تحليل الثقافة الأمريكية كما أخذنا في تحليل رائع للمجتمع المصري بظواهره وخاصة ظاهرتي أطفال الشوارع والتطرف الديني، وألقى ضوء سريع على حالات ادعاء الثورية والمتاجرة بأيام الاعتقال خاصة من بعض اليساريين، هكذا كانت رواية تغريدة البجعة، رصد للمجتمع وهي ترصد لحالة بطلها ورفاقه ومن عاشرهم وتعرف عليهم، رصداً أيضاً للظواهر المجتمعية التي طرأت على مصر، والحب الأول الذي يتسم بالسماوية على حد صف الكاتب، والبقاء في القلب مهما تغيرت الأزمان، مما قد يصل للجنون أو حتى الانتحار لا استطيع القول أن بطل الرواية كان مجنون، لكنه لا شك كان مريض نفسي، لا أستطيع القطع بكونه كان يهلوس لكن أستطيع أن أتأكد أنه خطط جيداً لنهايته، واختار صح بعد أن كاد يفقد السبيل المؤسف في وجهة نظري، أن أحد من كل المحيطين به لم ينتبه إلى اتجاهه للنهاية حتى نفسه، وهو يرى صديقه الأقرب له يتجه لنهايته، وقد أكد على أن عصام الفنان صديقه هذا سيموت عاجلاً بلا شك، اختار أن يبعد عنه مع أنه كان بإمكانه أن يبقى معه لينتهيان سوياً فالاثنين يموتا بسبب فقد حبهما، مع فارق بسيط أن عصام الفنان قرر أن يحيل شقته لمتحف يرصد لك لحظات حبه بالرسم مع زوجته السنغافورية التي رحلت وتركت الحياة، ومصطفى بطل الرواية مات وهو يشعر بأنه لا شيء يمكن عمله بعد أن قدم أمواله ومكتبه لمن يريد أن يصلهم هذه المقتنيات.
 
عاب الرواية في وجهة نظري عيب واحد، الإطناب وهو يسهب في وصف الظواهر الاجتماعية بنظرة البطل بشكل فلسفي عميق خاصة في وصفه المجتمع والثقافة الأمريكية.
 
المختصر المفيد رحم الله الكاتب المحترم مكاوي سعيد.