د. مينا ملاك عازر  

توقفنا في المقال السابق عند بعض المكاسب التي تعود على البلدان الثلاثة، أطراف اتفاق إبراهام، لكننا اليوم نستأنف رصد فوائد قد تعود على رئيس الولايات المتحدة نفسه ومكاسب أخرى.
 
فهذه الصفقة تفيد رئيس الولايات المتحدة على مستويات عدة، فهي دفعة كبيرة لاستراتيجيته الرامية إلى ممارسة أقصى ضغط على إيران، وهي أيضاً ذخيرة مفيدة، خاصة في عام الانتخابات، لدعم تفاخره بأنه أفضل صانع صفقات في العالم، أي شيء يفعله لصالح إسرائيل، أو بالأحرى لحكومة بنيامين نتنياهو، يتماشى جيداً مع الناخبين الإنجيليين المسيحيين الأمريكيين، وهم جزء مهم من قاعدته الانتخابية، ويجب على تحالف أصدقاء أمريكا ضد إيران أن يعمل بشكل أكثر سلاسة عندما يكون عرب الخليج منفتحين بشأن علاقاتهم مع إسرائيل.
 
وإن كان هناك الكثير من الجدل لدى الإعلان عن صفقة القرن التي أطلقها ترامب لصنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا إن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي يمثل تحولاً مهماً في ميزان القوى في الشرق الأوسط، ويتم تقديمه من قبل ترامب على أنه انتصار سياسي له.
 
 والآن نرصد موقف الفلسطينيون في إطار تفهمنا للسياسة العربية حيال إسرائيل، فقد أدان الفلسطينيون ما يعرف بـاتفاق "ابراهام" باعتباره خيانة، حيث جاء الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل ليكسر الإجماع العربي على أن ثمن العلاقات الطبيعية مع إسرائيل هو استقلال الفلسطينيين.
 
لكنّ إسرائيل تعمل الآن على ترسيخ علاقات عامة جديدة مع الدول العربية بينما لا يزال الفلسطينيون تحت الاحتلال في القدس الشرقية والضفة الغربية، وفي ما يرقى إلى مستوى سجن مفتوح في غزة، لا شك في أنهم يستحقونه بسبب أفعالهم الرعناء حيال بلادي مصر، وحيال عدوهم الذي لا طاقة لمواجهته ومجابهته إسرائيل.
 
وقد قال ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إنّ ثمن الصفقة هو موافقة إسرائيل على وقف ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية،  ويبدو أن رئيس الوزراء نتنياهو قد تراجع عن هذه الفكرة، في الوقت الحالي على الأقل، بسبب الضغط الدولي الساحق، وقدم له الإماراتيون مخرجاً من الحرج.
وسيزداد توتر الفلسطينيين الآن بعد أن انضمت البحرين إلى الاتفاق، ولم يكن ذلك ليحدث من دون موافقة السعودية التي طرحت خطة السلام العربية التي طالبت بدولة فلسطينية.
 
ودعونا نكون أكثر صراحةً ووضوحاً بخصوص الملف السعودي، فلنعترف إذن بأن مكانة الملك سلمان بصفته خادم الحرمين الشريفين تمنحه سلطة هائلة، ومن غير المحتمل أن يعترف بإسرائيل فجأة، لكن قد يكون ابنه ووريثه، محمد بن سلمان، أقل تردداً.
 
أما الموقف الإيراني يتضح لنا من خلال ما قامت به إيران إذ نددت القيادة الإيرانية بالاتفاق بشدة، فقد وضعهم اتفاق ابراهام تحت ضغط جديد وتتسبب عقوبات ترامب في ضغط اقتصادي حقيقي، وأصبح لدى إيران الآن أيضاً صداع استراتيجي إضافي حيث تعد القواعد الجوية الإسرائيلية بعيدة عن إيران بينما تلك الخاصة بالإمارات، فهي عبر مياه الخليج، سيكون ذلك مهماً للغاية في حال كانت هناك عودة للحديث عن ضربات جوية ضد المواقع النووية الإيرانية.
 
وبات لدى إسرائيل والولايات المتحدة والبحرين والإمارات مجموعة من الخيارات الجديدة. وفي المقابل، يجد الإيرانيون أن مساحة المناورة قد تقلصت.
أي أننا بصدد اتفاق سلام بين الثلاث دول يكاد يكون موجه ضد الإيرانيون وفي مصلحة الأربع دول أطراف الاتفاق بما فيها مدبرته أمريكا ولصد عدوان كاسح ضد الأراضي الفلسطينية، فهل يغتنم الفلسطينيون الفرصة أم يفعلوا ما فعلوه أيام السادات.
 
المختصر المفيد إيران صداع في رأس قادة المنطقة، والوسيلة لتكسب من ورائها من جانب إسرائيل وأمريكا بسبب أعمالها وحماقاتها ضد العرب.