مؤمن سلام 
أنا لم أتطور فكرياً فقط في انتقالي من الأصولية إلى العلمانية ولكن أيضاً داخل العلمانية ذاتها تطورت عبر السنوات العشر الأخيرة، وذلك بفعل البحث والقراءة المستمرة، والنقاشات والعصف الذهني مع الأصدقاء ومن سبقونا على درب الثقافة والمعرفة.
 
1- فقد كنت من المصدقين للدعايات الناصرية بأن عبد الناصر علماني وكنت أرى في صراعة مع الإخوان دليل على ذلك، حتى دخلت في نقاش مع الأستاذ أمين المهدي حول هذا الأمر فهز لي هذه القناعة ما دفعني للبحث والتحري في مصادر الإخوان ومصادر الظباط الأحرار والبحث في سياساته الدينية ومقارنتها بأفكار محمد عبده وحسن البنا فوجدتها تطبيق لأفكارهما.
 
2- على الرغم من رفضي القديم والأصيل للقومية العربية إلا أنني كنت أرها حركة علمانية بحكم أن فكرة القومية هى بنت العلمانية، إلا أن في نقاش مع الأستاذ عبد الجواد السيد، أصر على أن القومية العربية ليست علمانية وأنها مؤسسة على الإسلام، وهو ما دفعني إلى القراءة والبحث والتحري في فكرة القومية ذاتها ومقارنتها بالقومية العربية فوجدت بالفعل أنه لا يمكن للقومية العربية أن توجد بدون التاريخ والرموز الإسلامية، فلا يوجد ما يجمع الأمم المختلفة من المحيط للخليج إلا التاريخ الإسلامي والرموز الإسلامية وحتى اللغة العربية جاءت إلى هذه الأمم محمولة على الإسلام، بل ووجدت محمد عبده يدعو إلى الخلافة العربية وحسن البنا يراها مرحلة في سبيل الخلافة الإسلامية.
 
3- كنت مقتنع أن الإستبداد لا يتعارض مع العلمانية، ولكن مع تحديات الواقع ومع سلوك الطغاة والمستبدين، كان لابد من إمعان الفكر أكثر في تعريف العلمانية "التفكير في النسبي بما هو نسبي" للدكتور مراد وهبة، والخروج من اسر الثقافة السائدة بأن الدوجما هى دينية فقط ولكنها قد تكون وطنية أو أيديولوجية أيضاً، أصبحت مقتنع أن "لا ديمقراطية بدون علمانية، ولا علمانية بدون ديمقراطية"، وقد زدت قناعة بهذا الأمر مع قراءة كتاب "ما العلمانية؟" لكاترين كنسلر
 
هذه ثلاث قضايا رئيسية تطورت رؤيتي لها عبر العشر سنوات الأخيرة، ولهذا هى تطور فكري.
 
اما التناقض فهو أن يرى الإنسان الشيء وعكسه في نفس اللحظة وفي نفس الخطاب، بدون أى فارق زمني، ببساطة "الزمن" هو الحد الفاصل بين التناقض والتطور الفكري، التطور الفكري به بُعد زمني، التناقض يخلو من البُعد الزمني.
 
التطور الفكري هو شي جيد وصحي فهو رفض للجمود والتكلس، وأهم من ذلك هو مُربي للإنسان فيجعله أبعد عن التعصب والتطرف والعنف والتشنج، فقد خبر بنفسه أن قناعة اليوم قد تكون مرفوضة غداً، والمرفوض اليوم قد يكون قناعة الغد.
 
تطوروا تصحوا