ليس بالحوار ولا تغيير الخطاب الديني نقضي علي الارهاب
 سليمان شفيق

منذ أكثر من اربعين عامًا أتابع قضايا الوحدة الوطنية، لأكتشف أن ما يسمى موضوع تطوير الخطاب الديني واعادة بناء الانسان المصري الذي يطالب بهما دائما الرئيس عبد الفتاح السيسي ، دائما يرتبطا اما بالارهاب او  بـ «الفتنة الطائفية» ولكنة في الحقيقة ما هو إلا عرض لأزمة الحداثة فى مصر، ولا أحد ينظر إلى تلك القضية من منظور أزمة الدولة المدنية الحديثة، ولم يلحظ أحد أن أول تجليات الأزمة منذ تأسيس محمد علي للدولة الحديثة في 1805 ، ظهرت تجلياته  1910 «المؤتمر القبطى»، ومنذ 1910 حتى الان 2020 مضى قرن وعقد من الزمان، وتبوأ الحكمَ فى مصر أربعةُ ملوك «عباس حلمى، حسين كامل، فؤاد، فاروق»، وستة رؤساء «عبدالناصر، السادات، مبارك، عدلي منصور والمجرم مرسي والرئيس السيسي اطال الله عمرة"

كما شهد هذة الفترة 73 حكومة، 42 فى العصر الليبرالى، منذ حكومة بطرس غالى باشا 1910 حتى حكومة على ماهر باشا 1952، بتكليف من الملك فاروق، و7 حكومات فى عهد ناصر، و7 فى عهد السادات، و9 حكومات فى عهد مبارك، و8 حكومات من ثورة 25 يناير وحتي الان ، كل ذلك ومشاكل الاحتراب الدينى قائمة بشكل أو بآخر

فى العصر المسمى بالليبرالى، وفى فبراير 1934، فى حكومة عبدالفتاح يحيى باشا، أصدر العزبى باشا، وكيل وزارة الداخلية، الشروط العشرة لبناء الكنائس، التى سببت 76% من الأحداث الطائفية، ارتبط ذلك بإسقاط دستور 1923، وإعلان دستور صدقى 1930، وظهور جماعة الإخوان وتحالفها مع صدقى، بل وفى ظل زخم زعامة النحاس للأمة تم «تجريس» الحزب فى الأربعينيات من القرن الماضى على أنه «حزب نصرانى»، أسس لهذة الحملة أيضًا الإخوان، وللأسف شارك فيها كتاب كبار مثل العقاد.

والأخطر أنه فى ظل حكومة الوفد 1950، لأول مرة بعد ثورة 1919، تم حرق كنيستين، إحداهما فى السويس والأخرى بالزقازيق، وسقط قتيلان من الأقباط، واتهمت حكومة الوفد أعضاء من جماعة الإخوان، وثار الأقباط، وخرجت مظاهرة من البطرخانة بكلوت بك إلى مجلس الوزراء بقصر العينى، تطالب بانسحاب الوزراء الأقباط من الحكومة «روى هذه القصة الكاتب الراحل الكريم سعد فخرى».

ومنذ العصر الليبرالى إلى العصر الناصرى، لم تشهد المرحلة أى اعتداءات على أقباط أو على الكنائس، ولكن تمت إضافة خانة الديانة للبطاقة الشخصية، الأمر الذى انسحب إلى العديد من الوثائق الأخرى، كما تم عدم تمكين الأقباط من الوظائف العليا فى بعض مؤسسات الدولة، ناهيك عن رغبة عبدالناصر فى تحويل جامعة الأزهر من جامعة دينية إلى جامعة مدنية لتحديثها، إلا أن اقتصار القبول فيها على المواطنين المسلمين، رغم أنها تمول من أموال المصريين، مسلمين وأقباطًا، قد خلق فيما بعد أزمة غير متوقعة حينذاك
 
هكذا فإن الدولة فى العصر الليبرالى كانت «مدنية ولم تكن حديثة»، وفى العصر الناصرى كانت «حديثة ولم تكن مدنية»، وإن كانت لم تحدث أى اضطرابات طائفية، لأن عبدالناصر كان لديه مشروع قومى استطاع من خلاله الحفاظ على عوامل الاندماج القومى للأمة المصرية، وأضاف إليها المشروع الناصرى آفاقًا اجتماعية، وخططًا تنموية، وسيطر على الثقافة والإعلام، لكن الإخوان كانوا بالسجون حتى 1972، وهكذا جاء مشروع السادات - بالتحالف مع الإخوان - لضرب الناصريين والماركسيين، ولكنه دون أن يدرى ضرب أسس الدولة الحديثة، وما تبقى من مدنية فى مصر
 وانتقلت ظاهرة الإخوان والتدين من خارج النظام السياسى إلى داخله، وتسللت إلى قمته، حيث تحالف السادات مع الجماعات المتأسلمة، وغير من الدستور، مما أعطى مرجعية دستورية للإسلام السياسى، وعبر الانفتاح الاقتصادى ضرب السادات الأساس الاجتماعى للمشروع الناصرى، وبدأت البطالة تطل برأسها، وبدأ تهميش الصعيد؛ مما مهد الطريق اجتماعيًا للإرهاب
 
ولأن الإرهاب يبدأ فكرًا، فقد أصدر الشيخ عبدالله الخطيب فتواه الشهيرة فى العدد 57 من مجلة الدعوة، لسان حال الإخوان حينذاك، بعدم جواز بناء الكنائس، الأمر الذى تلقفته الجماعات الإرهابية التى ولدت من رحم الإخوان، وبإخصاب من هذه الفتوى تم الاعتداء «شرعًا» على الكنائس «لاحظ بعد تحالف الإخوان مع صدقى وزيور قننت الشروط العشرة لبناء الكنائس، وبعد التحالف مع السادات شرعنت فتوى الإخوان الاعتداء على الكنائس»
فى عصر مبارك، خاصة السنوات العشر الأخيرة، لم تعد الدولة مدنية ولا حديثة، بل صارت دولة مملوكية «ظهر مشروع التوريث»، وعكس ما يتصور الجميع، كانت هذه المرحلة هى العصر الذهبى للإخوان، حيث تم تمكينهم اقتصاديًا «السيطرة على 55% من تجارة العملة»، وبلغت عمليات المضاربة وغسيل الأموال أقصى مدى «انظر ملفات قضايا الإخوان فى تلك المرحلة»

وعلى الصعيد السياسى، وافق الإخوان على التوريث مقابل التمكين فى مجلس الشعب «مثال صفقة الـ88 نائبًا»، إضافة إلى التمكين الدولى، وتأسيس التحالف الإخوانى الأمريكى، وبذلك تم تصدير الإرهاب للخارج وتخويف الأمريكان من فزاعة الإخوان، مقابل ذلك تم تمكين الإخوان وتأهيلهم للحكم
 
فى تلك المرحلة من ذلك العصر تم القضاء على عوامل الاندماج القومى، كما ذهب الباحث نبيل عبدالفتاح فى كتابه «سياسات الأديان»، الأمر الذى أدى إلى انتشار ما أسماه الباحث سمير مرقص «فيروس التفكك» وبشكل قاعدى، وإن كان الإرهاب والاعتداء على الأقباط والكنائس يتم من خلال جماعات إرهابية؛ فإنه الآن يتم من خلال جماهير متعصبة
 
ولا يمكن فى هذا السياق إهمال ظهور الجماعات السلفية، التى تحالفت بالتواطؤ مع نظام مبارك فى مواجهة الإخوان، وشرّعت بعدم جواز الخروج
على الحاكم.. تلك الجماعات لم يكن لها من «عدو» تُربى عليه أعضاءها سوى الآخر الدينى، وفى مقدمتهم المسيحيون

من الملاحظ ان ظاهرة التحالف مع الاخوان ثم الانقلاب عليهم من معظم الحكام بدأت منذ ان تحالف معهم الملك فاروق ضد الوفد وكان العراب محمد حسنين باشا حتي الصدام معهم بعد التفجيرات وقتل المستشار الخازندار والنقراشي باشا، ولا ننسي كما ذكر تحالف صدقي باشا معهم من ب عد الغاء دستور1930 .، ثم تحالف معهم عبد الناصر قبل يوليو 1952 ولم يحل الجماعة حتي 1954 حتي اصطدم معهم في الصراع علي السلطة ، ثم السادات 1972 وما حدث وادي الي مقتلة علي ايدي تنظيم الجهاد ، وفي عهد مبارك تمت المراجعات في نهاية تسعينات القرن الماضي مع تنظيمات الجماعة الاسلامية والجهاد والتي لعب دورا فيها الكاتب مكرم محمد احمد رغم تعرضة للاغتيال ، ثم صفقة 2005 المذكورة اعلاة  بين العادلي ومهدي عاكف ، والتي خانوة فيها وانقلبوا علية وحرقوا الاقسام واقتحموا السجون في 2011 وادي الامر الي الاطاحة به ، ثم الصدام مع الدولة بعد فض رابعة والنهضة وحاولاتهم حرق مصر من مؤسسات وكنائس وصولا الي الحرب الارهابية في سيناء علي الدولة المصرية .

لكن بعض التيارات السلفية استغلت الصدام بين الدولة والاخوان وقفزت الي اتفاق الثالث من يوليو، ونجحت في تأسيس حزب النور والوصول لمجلس النواب بعدد من النواب ، ولكن اطراف من تلك التيارات خاصة التكفيرية او الجهادية لازالت تؤيد مناهضة الدولة والمواطنين المصريين المسيحيين ، ومن ثم كما هو واضح من دروس التاريخ ان كل الحكام ارادوا استيعاب الاخوان او الجماعة الاسلامية او الجهاد ويجري الان محاولة ذلك مع السلفيين ، وان كنت اتمني نجاح ذلك ولكن من دراسة ما سبق فأن القضية لتلك الجماعات ليست دينية بل الرغبة في الاستيلاء علي السلطة ، ومن اغتيال النقراشي كل الحكام او الوزراء المختصين بمناهضتهم تمت اغنيال السادات 1980 ، وفي تسعينيات القرن الماضي تم اغتيال المفكر فرج فودة ، ثم محاولات اغتيال ووزراء الداخلية واللواء النبوي وحسن ابو باشا محمد زكي بدر ومحمد عبد الحليم موسي واخيرا اللواء محمد ابراهيم
، حتي الاديب الكبير نجيب محفوظ تمت محاولة اغتيالة  ردا علي رؤيتهم الجاهلة لاحدي رواياته دون الاطلاع عليها، جنبا الي جنب مع اغتيال د رفعت المحجوب رئيس البرلمان ومحاولة اغتيال د عاطف صدقي رئيس الوزراء ، ثم من اغتيال المستشار الخازندار الي اغتيال النائب العام هشام بركات مرورا باغتيال المستشارين ورجال القضاء في سيناء ،كل ذلك يؤكد انه ليس بالحوار وحدة يتم القضاء علي الافكار التكفيرية والارهاب ، بل بحزمة من المتغييرات تم كتابتها منذ تقرير الراحل جمال العطيفي وكيل مجلس الشعب 1972 وحتي الان اكثر من عشرة دراسات عن ضرورة فصل الدين عن الدولة والسياسة و تغييررؤية التعليم والثقافة والاعلام الخ .

 لذلك فإن تكوين الإنسان المصرى يحتاج إلى إعادة الاعتبار للدولة المدنية الحديثة، التى تفرض المواطنة بتطبيق القانون على أرضية العدالة والمساواة.