فيفيان سمير 
 
 
عينيها كعيني الصقر لا تخطئان فريستها، ظاهرها ناعم كأخطر الحيات وأكثرها سمية، يبدو عليها التسامح والهدوء لكنها في الواقع مخادعة، مشاعرها زائفة، ابتسامتها الواسعة تخفى انفعالاتها الحقيقية وعجزها عن الشعور بأي تعاطف تجاه من حولها، بل خنجرها المسموم حاضر بيدها مستعد لأن يطعن في لمح البصر من يغضبها ولو عن غير قصد فذاتها مركز الكون وبؤرة الاهتمام. 
 
أطل شيطانها برأسه حين علمت بوجود عاطفة بين أثنين من زملائها بالجامعة وخطتهما للارتباط فركزت كل جهودها للتفرقة بينهما والفوز بالحبيب، فتعاملت معه برقة مفتعلة وحنان طاغي ومبالغة في الأعجاب به وبكل ما يبدر منه، نصبت له الشباك بكل حرفية الأنثى، فالعيون تناجى، الشفاه تهمس شهدا والدلال نارا تجذب الفراشات، حتى سقط صيدها وأحترق بحبها بصدق وطلب الزواج منها. 
 
منذ صغرها تتملكها رغبة مريضة للسطو على ما في يد الغير، خاصة أختيها الأكبر والأصغر منها، حتى لو عندها مثله، لم يلتفت الوالدين لهذه العادة
 
البغيضة وتصورا أنها ستزول مع تقدمها في العمر بل تجاهلانها تجنبا لردود أفعالها الانتقامية من أختيها مما زاد من حقدها وغيرتها من هن، بمرور الوقت اتسعت دائرة سخطها لتشمل زميلاتها في المدرسة ثم الجامعة. 
 
أزداد الأمر سوءا مع بلوغها سن الشباب، وبلغ ذروته حين تقدم شاب لخطبة أختها الكبرى وعلمت أنه يحبها وهي تحبه، فكانت تتفنن في جذب أنتباهه وتبذل جهدا جبارا لتبدوا أكثر جمالا ومرحا من أختها، على خلاف حقيقتها، مما أثار غيرة أختها وغضبها وكذلك ثورة والديها الذين عنفاها بقسوة فتراجعت عن تصرفاتها متصنعة الخجل لكن داخلها كانت تغمرها نشوة لا يشوبها الندم، إلا على انكشاف أمرها وهو ما حرصت ألا يحدث في المرات التالية ونجحت فيه. 
 
رغم أنها تزوجت بالفعل من ضحيتها هذه المرة إلا أنها في أعماقها كان هناك ذلك الإحساس الغامض بالحزن، يلقى بظلاله القاتمة فيحرمها صفو الفرح الذي سرعان ما يتبدد، وهيهات أن يستكين الشيطان الذي يسكنها، أستيقظ لينفث سمه من جديد مع خبر خطبة أختها الأصغر منها وبدون وعى عاد الصقر ليفرد جناحيه ويحوم حول فريسته، لم يمنعها وجود زوجها وجنين ينمو داخلها، فالرغبة عارمة تغرقها، تلك اللذة المسروقة التي لا تضاهيها لذة والتي تشعل النيران فتحيل كل ما عداها رماد. 
 
لاحظ زوجها تصرفاتها مما أثار غضبه وطلب منها التحفظ مع خطيب أختها، فثارت وافتعلت الغضب لشكه في سلوكها، ذهبت لبيت أبيها بعد صدام حاد، لكنها لم تستطع أخبار والديها بحقيقة الخلاف. 
 
ساعد وجودها ببيت العائلة في تنفيذ خطتها الخبيثة للوقيعة بين أختها وخطيبها، ونصب الفخ مجددا لصيدها الجديد الذي سرعان ما سقط. أحاديث طويلة عن عذابها ووحدتها وعزوف أهلها عن مساندتها، احتياجها للصديق الذي يسمع شكواها وينصحها، أندفع الخطيب الغافل بكل مشاعره نحو الزوجة الضعيفة المغلوبة على أمرها من زوج متجبر، التي تقطر عذوبة ورقة وتفيض أنوثة ودلال، هكذا استدرت عطفه وابتذت مشاعره، بدءا يتواعدان ويلتقيان خارج المنزل، وقع الطير في العسل وتطور الأمر للتفكير في كيفية التخلص من ارتباطه بأختها وطلاقها ليتزوجا. 
 
في غمرة النشوة بانتصارها وقمة المتعة بهيام الحبيب المدله بغرامها، لم تنتبه لمراقبة زوجها لها عند خروجها، الذي حضر بناء على طلب والديها لاسترضائها واعادتها لبيتها، لكنه شاهدها تركب سيارة خطيب أختها فهم بملاحقتها، ليسمع جانبا من حديث العشق بينهما حتى أستشاط غضبا وأقتحم جلستهما وأنهال عليها صفعا ثم القى بها في سيارته ليسرع الى منزل والديها، الفضيحة مدوية، الزوج المخدوع أخبرهما بخيانة أبنتهما ومع من؟ خطيب أختها؟ وعلى عكس توقعه، لم يصدم الوالدين لما سمعاه، بل كإنماء توقعاه، فهما يعلمان أن أبنتهما مريضة نفسيا، لا توقفها أي اعتبارات للوصول إلى متعتها العارضة، تعجز عن التحكم في رغباتها ونوازعها القهرية، وهذه ليست المرة الأولى التي تخون فيها أقرب الناس إليها، لكنهما تعاميا عن مرضها، وتصورا أنه سيزول بمرور الوقت، تواريا من وصمة المرض النفسي لأبنتهما حتى تأخر الوقت كثيرا، وأصبح من الصعب شفائها، أفسدت حياتها وحياتهم، الضحايا كثر، زوجها، أبنها الذي لم يرى النور بعد، والديها، أختيها، وهي قبل الجميع، تركاها للنار فأحترق الكل.