د. مينا ملاك عازر

نتابع اليوم آخر حلقة -بإذن الله- من سلسلة مقالاتنا المعنونة بسؤال المقالات الثلاثة، رصدنا دوافع التدخل الدولي وأشكاله في لبنان، واليوم نتساءل سؤالنا، هل لبنان سيصبح برميل بارود أم خزان غاز طبيعي؟ وللإجابة على هذا، أبدأ من حيث اعتبرته مختصر مفيداً في  المقال السابق، وهو أنه إن لعب النفط دور في تغيير خارطة منطقة الخليج العربي وخارطتها الجيوسياسية، لا يمكن أبدا أن نشك في قدرات تواجد الغاز في منطقة شرقي البحر المتوسط وخاصة الشرق الأوسط على فعل هذا في المنطقة ودوله، لذا كان لزاماً من إبرام اتفاقات وتحالفات وتجهيز الجيوش وشحذ الهمم لوضع الدول كلها على أهبة الاستعداد، وإن كان الكل يحاول لعب السياسة متفادياً الضغط باليد على زناد السلاح، لكنك أبداً لا تستطيع أن تنجرف إلى أن تنأى بفكرك عن احتمالية قيام حرب عظمى أو على الأقل كبيرة بين الدول الطامحة والطامعة التي تحافظ على مصالح بلادها في غاز هذه المنطقة أو لمساندة مصالح شركاتها العاملة في هذه المنطقة، فأنت ترى الآن اليونان وفرنسا يجريان تدريبات بحرية مشتركة، ما يعني أنهما يتأهبان لصد أي تغول تركي على حقوق اليونان، وها هي فرنسا تشحذ قدراتها العسكرية لصد أي تغول تركي على لبنان، فإن كان ماكرون يحافظ بدبلوماسية واضحة على حق لبنان في السيادة على نفسه، لكنه ابداً لا يمكنه أن ينكر أو يتغاضى عن كون لبنان الفناء الخلفي لبلاده، وتاريخ طويل من التواجد الفرنسي في أوراق السياسة اللبنانية حتى لحظة فك أسر رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري من براثن السلطات السعودية التي كان من المفترض أنها داعمة له.
 
وبالنظر للتواجد المصري والتركي في لبنان والسعودي والإيراني والفرنسي والدعم الأمريكي، فكلاهم شكلاً يحافظان على اللبنانيين، وهذا مبدأ إنساني لا أكرهه أبداً لكنني لا أستطيع أن أتحسس عقلي إذا قالت أي دولة من تلك الدول أن الإنسانية فحسب هي التي تحكم تدخلها أو مساعداته المالية، فالكل يدعم وعينه على يد الآخر إلى أين تذهب بالمساعدات ولمن؟ ولماذا؟ حتى أن تركيا بغشم سياسي ملحوظ، عرضت أن تعيد بناء ميناء بيروت المنفجر، ما يعني للعالم كله الفاهم أنها تريد أن توجد لنفسها موطئ قدم بالبحر المتوسط وليس في البحر المتوسط عامة فهي متواجدة به بل في قلب منطقة الصراع على الغاز، وهو ما فطنت له مصر وفرنسا، وأعتقد الجميع ولعلي لا أكون مزايد لو أنني شعرت بالفخر في لحظة إرسال وزير الخارجية المصري سامح شكري ليحافظ على تماسك لبنانية الدولة وعلى مصالح مصر، وليصد كما قلت التواجد التركي المحتلم والذي بات واضح مآربه. 
 
أخيراً للإجابة على السؤال الاحتمالي، بين احتمالية أن يكون لبنان برميل بارود أو خزان غاز؟ أقول بعد كل ما تقدم من تحركات دولية لو أن الطائفية جعلت لبنان متخم بنترات الأمونيا حتى انفجر الميناء الأول به، فأن تواجد الغاز الطبيعي على شواطئه تلك الحقول التي أخذت منها إسرائيل دون أن يحرك حزب الله ساكنا ليمنعها ويحمي أرضه وبحره وثورات بلاده كما يدعي دائماً، أقول أن تواجد حقول الغاز الطبيعي جعلته برميل بارود وليس فقط متخم بنترات أمونيا ومعرض للانفجار في أي وقت، لأن هشاشة أي دولة يوقعها موقعها الجغرافي وسط أي تكتلات دولية متصارعة على الثروات الطبيعية أو حتى على النفوذ أو أي شيء يجعل منها فرصة للقضم من كعكتها، فما بالنا بدولة هاشة تعاني الفقر وتكابد الطائفية وبين رجال السلطة بها كل أمارات التناحر والتصارع والخصام، إلا إذا نحوا خلافاتهم جانباً ونهضوا ببلادهم دون دعم مالي خارجي يفرض عليهم السيطرة، فيقيموا دولتهم ويجنبوا المنطقة سبباً جديداً من أسباب الحرب، ومن ثمة انفجار برميل البارود.
 
المختصر المفيد الله يحفظنا من كل أسباب الحرب، وكما هبت نيران الحرب في ليبيا تخمد في لبنان.