في مثل هذا اليوم 19 سبتمبر1882م..
الخديو توفيق أصدر فى التاسع عشر من سبتمبر عام ١٨٨٢ مرسومًا خديويا بإلغاءمصري'> الجيش المصري، عقب فشل الثورة العرابية عام ١٨٨٢، والتى تبعها دخول قوات الاحتلال البريطانى إلى مصر، دام اكثر من سبعين عامًا حتى عام ١٩٥٦.

ولد محمد توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد على باشا فى ١٥ نوفمبر ١٨٥٢، وهو الابن الأكبر للخديو إسماعيل، وهو سادس حكام مصر من الأسرة العلوية، وتوفى فى قصر حلوان بالقاهرة فى ٧ يناير ١٨٩٢.

وشهد عهد الخديو توفيق الثورة العرابية، ثم الاحتلال البريطانى الذى حظى بتأييده، وفى عام ١٨٨٤ سقطت الخرطوم فى يد الثورة المهدية وقتل الحاكم المصرى للسودان تشارلز جورج غوردون، وفقدت مصر حكم السودان، وأصدر فى ١ مايو ١٨٨٣ القانون النظامي، الذى بمقتضاه شكل مجلس شورى القوانين.

يذكر أن الجيش المصرى هو أول وأقدم جيش نظامى فى العالم تأسس قبل ٧٠٠٠ سنة، والذى أنشأ كـ«جيش نظامي» بعد توحيد الملك نارمر لمصر حوالى عام ٣٢٠٠ ق. م، حيث إنه كان قبل ذلك لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيش خاص به يحميه، ولكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر.


وكان الجيش المصرى أقوى جيش فى العالم وبفضله أنشأ المصريون أول إمبراطورية فى العالم وهى الإمبراطورية المصرية الممتدة من تركيا شمالًا إلى الصومال جنوبًا، ومن العراق شرقًا إلى ليبيا غربًا، وقد كان ذلك هو العصر الذهبى للجيش المصري، كان المصريون هم دائمًا العنصر الأساسى فىمصري'> الجيش المصري.

نستطيع أن نقول إن عرابى كان «درويشًا»، خاصة أنه لم يكن متعلما فهو التحق بالجيش المصرى فى عهد سعيد باشا بن محمد على ولم يكن حصل على أى شهادة، فهو حفظ القرآن فى كتاب القرية وتعلم القراءة والكتابة، ورقى إلى رتب الضباط رغم أنه متطوعا. وفى الثورة العرابية حصل توفيق على مرسوم من الأستانة ومن السلطان العثمانى بعصيان عرابى.. وخروجه من الملة ولعل هذا المنشور الذى جعله يقيم حفلات الذكر والتكبير لدفع تهمة التكفير عنه.. ولكن لم يثبت أنه عنصريا.

ويحكى الرافعى عن المذبحة التى شهدتها الإسكندرية قبل الاحتلال الإنجليزى بثلاثة أشهر وبالتحديد يوم الأحد ١١ يونيو ١٨٨٢، وكان سببها أن أحد المالطيين ركب عربة وأخذ يدور بها على حانات الخمر فى الحى الأوروبى إلى أن وصل إلى قهوة كانت تُسمى «قهوة القزاز».

وكان هذا المالطى سكرانًا فأعطى سائق العربة قرشًا واحدًا فاستاء السائق وطلب منه الأجرة التى يستحقها فغضب المالطى وأخذ سكينًا من سكاكين القهوة التى تستعمل لقطع الجبن كانت مربوطة فى خيط كبير متصل بخوان القهوة ثم طعن بها السائق، فكانت الطعنة قاتلة لأنها أصابت أحشاءه، ثم جاء رجل لمساعدة الجريح فقتله يوناني، وحينئذ ثارت مشاجرة قتل فيها خباز يونانى كان يعيش فى البناء الملاصق للقهوة.

وكان معاون قسم اللبان — وهو القسم الذى حدثت فيه هذه المشاجرة — إيطاليًا، فلم يفعل شيئًا جديًا لإيقاف المشاجرة، فانتشرت حتى صارت مشاجرات فى كل مكان، وهذه المشاجرات هى التى سميت مذبحة الإسكندرية.

ولقد أحدث وصول الأسطول الإنجليزى إلى مياه الإسكندرية شعورًا عدائيًا شديدًا بين المصريين والجالية الأوروبية، فالأوروبيون رأوا فى حضوره مقدمات أولى للحرب فأصبحت معاملاتهم للأهالى على شيء كبير من العنف، وكانوا يقولون: «الآن سترون ماذا نفعل»، وبالنسبة للمصريين أصبح الحادث موضع حديثهم اليومى وأثيرت بينهم احتمالات كثيرة، وانتشرت فكرة جديدة، هى أن الجنود ستنزل من الأسطول إلى البر، وأن البلاد ستحتل بالإنجليز، وكثيرًا ما سئلت فى هذه الأثناء عما إذا لم تكن هذه نية الأسطول الحقيقية.

وازداد هذا الظن رسوخًا عندما عرف أنه كتب عقد بين الأميرال سيمور والمسيو كنراد، لتموين الأسطول لمدة ثلاثة أشهر، وأصبح الناس ولا حديث لهم إلا ذلك الهياج، وقد سبب هياج الأفكار هذا فزع الأوروبيين، خاصة الإنجليز والمالطيين منهم الذين كانوا دائمى الاستشارة لقناصلهم فى الطريقة التى يتبعونها لحماية أنفسهم فى حالة حدوث اضطراب.

وقد أخبرهم مستر كوكسون بأن يستعدوا لحماية أنفسهم فى أواخر مايو أو أوائل يونيو، وعرف فى الوقت نفسه أنه أرسلت آلات نارية من بلاد اليونان لتسليح الأروام بالإسكندرية، واشترى الإنجليز كل ما عثروا عليه منها فى المدينة، وعلمت من موظفى مصلحة الجمارك أن بنادق ومسدسات من ماركة «شليدر» أرسلت إليهم من الأسطول، وبناءً على ذلك أصبح حدوث معركة من المسائل المؤكدة تقريبًا.

هذه هى الحادثة التى سميت «مذبحة الإسكندرية» وقد حدثت فى ١١ يونيو، وفى مثله من شهر يوليو ضرب الأسطول الإنجليزى مدينة الإسكندرية، فكأنما كان مقدرًا على هذه المدينة أن يكون يوم ١١، يومَ شؤم عليها وعلى مصر فى الشهرين.

يقول عبدالرحمن الرافعي، «إن الخديو توفيق قرر القضاء على الروح القومية فى نفوس العسكرية المصرية ضباطا وجنودا، لكى يكون الجيش المصرى أداة مسخرة فى أيدى رؤسائه وضباطه الإنجليز».!!

تسريحمصري'> الجيش المصري.. أقصر فرمان صدر في تاريخ مصر الحديث؛ ففي 19 سبتمبر 1882، أصدر الخديوي توفيق مرسومًا من هذه الجملة الوحيدة تسريحمصري'> الجيش المصري، وعاد بعدها قادمًا من الإسكندرية إلى القاهرة في حماية القوات البريطانية، بعد أحداث الثورة العرابية و(موقعة التل الكبير)، وتأكيد احتلال القوات الإنجليزية لمصر، وكانت هذه أول مرة يلغى فيها الجيش في العصر الحديث.

جيش مصر الذي بناه محمد علي باشا عام 1819، على غرار الجيوش الأوروبية الحديثة، على يد الكولونيل جوزيف سيف المشهور بـسليمان باشا الفرنساوي، وهو الرجل العسكري الذي آثر البقاء في مصر بعد قدومه ضمن قوات الحملة الفرنسية، واعتنق الإسلام، وبمساعدة إبراهيم باشا نجل محمد علي، تكفلا بإعداد 100 فرد من المماليك ليكونوا النواة الأولى لجيش مصر في عهد الوالي محمد علي باشا، وذلك في أسوان لتكون أول مدرسة حربية للضباط، وظل يدرب الطلاب فيها لمدة ثلاثة سنوات، إلى أن تخرجوا كأول دفعة من الضباط فيمصري'> الجيش المصري.

استمرت الفتوحات المصرية في عهد الباشا محمد علي على يد نجله الفاتح ابراهيم باشا، وكذلك في عهد أبنائه حتى الخديو إسماعيل بإرسال حملات إلى أفريقيا للقضاء على تجارة العبيد وتأمين منابع النيل، لكن بسبب الديون والأطماع الاستراتيجية في مصر، خاصة بعد حفر قناة السويس، كل هذا أوقع مصر في براثن الاستعمار، وفي سبيل هذا عزلوا الخديو إسماعيل، وجاءوا بـالخديو توفيق، ومعه وزيران إنجليزي و فرنسي في الحكومة المصرية، وبسبب هذا قامت الثورة العرابية في 1881.

بعد فشل الثورة العرابية عقب موقعة التل الكبير ودخول الإنجليز مصر، أصدر توفيق هذا المرسوم ليقضي على مقاومة الجيش للقوات الإنجليزية المؤمنة لبقائه على العرش، وقرر معاقبة عرابي ورفاقه، بأن جرّد الضباط من رتبة (يوزباشي)، فما دون اشتركوا في الثورة العرابية من رتبهم وحرمانهم من المعاش ومحاكمتهم، واعتقال 30 ألف شخص، وفرض المحتلون تعويضات على الشعب المصري قيمتها 9 ملايين جنيه استرليني، وتعين قائد الجيش الإنجليزي السير إيفلين وود – سردار/ قائد عام للجيش المصري.

القضاء علىمصري'> الجيش المصري، كان أول ما فكر فيه المحتل لإحكام قبضته علي مصر وقناة السويس وتأمين قواته، هو تسريح الجيش، وتجريد البلاد من كل قوة حربية، ووضعت سلطات الاحتلال الخطط لترسيخ قدمها وتأمين أسطولها في البحرين الأحمر والمتوسط، وكذلك قناة السويس، فاتخذت من الإجراءات الخاصة بالبحرية المصرية منها إلغاء الاسطول البحري وتسريح رجاله، إلغاء الاسطول التجاري وإلغاء الترسانة البحرية المبنية في عهد محمد علي و تسريح عمالها، إغلاق المدارس الحربية والإبقاء فقط على مدرسة واحدة بالقبة.!!

من جديد عاد الجيش، وتبلور مبدأ جيش مصر للمصريين، بعد أن كان قادته وكبار الضباط من الأتراك والشراكسة، ورأت قوات الاحتلال الإنجليزي أنمصري'> الجيش المصري يمكن أن يوضع تحت تصرفها في حالة نشوب حرب، وهو ما تحقق بالفعل بإعلان الحماية البريطانية على مصر عقب الحرب العالمية الاولى، وإنهاء السيادة التركية عليها، وإعلان وضع الجيش تحت التصرف في حين اقتضاء الأمر، وبقى الجيش بين صعود وهبوط حتى توقيع معاهدة 1936، والتي سمحت بزيادة عدد القوات المصرية وإعلان استقلال مصر.