بقلم – روماني صبري 
 
أحببت التمثيل منذ كنت طفلا صغيرا، وأتذكر إنني ذهبت كثيرا إلى السينما برفقة والدتي، فإذا بي حين نعود إلى المنزل، اشرع أجسد الأدوار التي أبصرتها بدور العرض، نعم كل الأدوار كنت أجسدها في المنزل، عرفتني الوحدة مبكرا والفقر، وكنت أعيش في حي عنيف، كان الفن صديقي، ولا اعرف ماذا يعني أن يكون الإنسان قويا، هل تظهر عليا القوة؟!، لست اعلم، لكن حتى نستمر في الحياة يجب أن تعرفنا القوة، لذلك كل البشر أقوياء، في التمثيل لدينا أسباب منطقية نعبر عنها، فتدرك من أنت، ولماذا كنت هناك، وأين كنت، وما الذي ستقدم على فعله، وما مرد ذلك الفعل؟، عكس الحياة الواقعية، لطالما جسدت الأدوار باعتبار إني مهرج، مؤدي، شخص يقوم بتفسير شيئا ما.
"آل باتشينو"

 
لتذهب الأوسكار إلى الجحيم 
حصل "آل باتشينو"، عملاق التمثيل ذو الأصول الايطالية طوال مسيرته الفنية، على أوسكار وحيد كأفضل ممثل رئيسي عن دوره في فيلم "عطر امرأة - 1992"، إخراج مارتن برست، وارى ان الجائزة جاءت لتبيض وجه "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة – الأوسكار"، فالرجل كان ترشح 7 مرات للجائزة قبل هذا الفيلم وكانت في الحقيقة تذهب لممثلين جيدين، لكن بالنسبة لي في كثير من المرات كان يستحقها باتشينو عن آخرون، وحقيقة لا ينكرها إلا جاحد، نعم بالفعل  لعب باتشينو شخصية "الجنرال فرانك سليد"  في عطر امرأة، ببراعة وذكاء يحسد عليهما، حيث ظهر عليه خلال تقمص الشخصية انه كفيف فعلا، ويعاني الاكتئاب والشعور بالندم لاقترافه خطأ كبيرا بحياته العسكرية، لذلك يختبئ وراء النرجسية والعصبية حتى يبتعد عنه الجميع، لحين يقدم على قتل نفسه وهو القرار الذي سيفشل في تنفيذه جراء تعلق الطالب به والذي بات يراه كوالده وانه شخص صافي النفس حنون عكس ما يظهره .

 كذلك كان صادقا في ترجمه حبه واحترامه للمرأة، إذا يستحق جائزة الأوسكار عن الدور، نعم يستحقها، لكن يؤسفني أن أقول ان دوره بهذا الفيلم مقارنه بأفلامه التي سبقته، كالأب الروحي 1 و2 و عصر يوم قائظ، والوجه ذو الندبة، وغيرها من الأفلام كان الأقل، وفي  الغالب دائما ما تمنح الأكاديمية الجائزة لممثلين جسدوا أدوار أشخاص يعانون إعاقة، وارى هذه الكيفية غير صائبة للإشارة إلى الممثل الذي قام بأفضل أداء، على أي حال أي جائزة سينمائية ليست مقياس على موهبة الفنان، فالمخرج السينمائي الكبير"مارتن سكورسيزي" حصل على اوسكار وحيد عن اقل أفلامه أيضا،  كذلك أعظم الأفلام الأوروبية والروسية لم تحصل على الأوسكار، ما جعل الكثير يقولون ان جائزة الأوسكار تحكمها السياسة.

تصديت للاكتئاب عبر الفن 
يقول باتشينو انه كان يمثل الأدوار بطريقة المهرج، في بداية مشواره الفني، ما جعله مضحكا، حيث كان يكتب الاستعراضات الخاصة، ويخرجها ويعرضها، في بعض الأماكن بالقرية، بالمقاهي الصغيرة، وكان يدعو الناس لمشاهدتها، وقتها كان ببداية العشرينيات.
 
 
في تلك الفترة أنقذ الفن حياته، حيث كان يعاني اكتئابا، فكان يهرب منهما عبر الأدوار الكوميدية، ليشعر بالراحة، ويشدد باتشينو على أن الفن الكوميدي علاج جيد للاكتئاب، فطالما ذهل من البشر المضحكين، ويرى انه من المثير أن يكون الإنسان بقربهم، ليبصر كيف يتعاملون.

 حين وجه إليه مذيعا سؤالا :" إذا جاءك شاب واختصك قائلا :" ما هو التمثيل ؟، كيف تجيبه ؟، فرد ضاحكا :" سأقول له ما نفعله الآن، هذا هو التمثيل، فعندما تتواجد بمكان من المؤكد انك تجسد دورا، فالتمثيل يعني القيام بأشياء كثيرة.
 
انتصرت عليهم 
جسد باتشينو واحدا من ابرز أدواره وأكثرها عبقرية، وذلك في سلسلة الأب الروحي، للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، وكان اختاره كوبولا لتجسيد شخصية "مايكل كورليوني"، في الأب الروحي 1 بداية السبعينيات، أما هو فكان يطمح في لعب شخصية "سوني المتهور"، بعدما وقع عقد الفيلم، عانى مشاكل جراء عدم رغبة المنتجين في وجوده، كانوا يريدون داستين هوفمان وآخرون ، فتصدى لهم "كوبولا"، حيث كان أبصر موهبته في فيلم "انا ناتالي"، و" الذعر في منتزه نيدل"، فتمسك به إلى جانب ملامحه الايطالية الأمريكية.

 قال منتجي الفيلم وقتها لنأخذ كوبولا على عقد عقله، ونسرح باتشينو من الفيلم بعد عدة مشاهد، فشخصية مايكل كورليوني لابد وان يلعبها ممثل من نجوم الصف الأول، كونه سيكون البطل في الـ3 أجزاء، أما باتشينو هذا غير معروف، ولكن بعدما انتهى باتشينو من تصوير مشهد قتله للشرطي الفاسد وتاجر المخدرات في المطعم ردا على محاولتهم الفاشلة لاغتيال والده "دون فيتو كورليوني"، تغير موقفهم وباتوا يربتون على كتفي باتشينو معترفين بأنه لكم يتمتع بأشد الموهبة، وبالفعل أكمل تصوير مشاهده، وبات حديث العالم وأحد نجوم الصف الأول،  ورشح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن الدور، كما رشح لجائزة بافتا لأفضل ممثل قادم جديد، وكذا جائزة جولدن جلوب لأفضل ممثل، والأجر الذي تقضاه عن الفيلم  35000 دولار أمريكي فقط.

من أكثر الممثلين ترشيحا للجوائز  
الجوائز التي حصل عليها تتجاوز الـ50، وهو يتصدر قائمة أكثر النجوم ترشيحا للأوسكار والجولدن جلوب، ومن هذه الجوائز جائزة الأوسكار، عام 1993 عن فيلم "عطر امرأة"، 4 جوائز جولدن جلوب من أصل 18 ترشيح، 10 منها كأفضل ممثل في فيلم سينمائي  دراما، و 2 جولدن جلوب كأفضل ممثل في فيلم سينمائي - كوميدي أو موسيقي، و 3 كأفضل أداء من قبل ممثل في مسلسلات صغيرة أو صورة متحركة مصنوعة للتلفزيون، و3 كأفضل أداء لممثل في دور مساعد، كما توج بجائزتين ايمي من أصل ثلاث ترشيحات،  الترشيح الأول كان عام 2004 على مسلسل " ملائكة في امريكا"، وفاز بها، والترشيح الثاني كان عام 2010 على الفيلم السينمائي " انت لا تعرف جاك"،  وفاز بها.

الترشيح الثالث كان عام 2013 على الفيلم السينمائي فيل سبيكتور، كما حصل على جائزة البافتا مرة واحدة من أصل 5 ترشيحات،  كان أولها عام عام 1973 عن فيلم  الاب الروحي 1،  كأفضل وافد جديد واعد إلى ادوار الأفلام الرائدة، والترشيح الثاني عام 1975 على فيلم "سيربيكو"، كأفضل ممثل، والترشيح الثالث عن فيلم "عصر يوم قائظ" اخراج سيدني لوميت، وفيلم "الاب الروحي 2"،  وفاز بها هنا، والترشيح الرابع عام 1991 على فيل "ديك تراسي"، كأفضل ممثل في دور مساعد وأخر ترشيح كان عن أفضل ممثل مساعد في فيلم "الايرلندي"  والذي أخرجه مارتن سكورسيزي.