مقدمة :-
إعداد /ماجد كامل
يعتبر القديس ديسقوروس "؟ -454 " حلقة فارقة في تاريخ الكنيسة المسيحية ؛ فهو من جهة المدافع القوي عن الإيمان المسيحي ضد أصحاب الطبيعيتين من جهة ؛ ومن جهة ثانية فهو يمثل نهاية مرحلة الكنيسة الواحدة . وبداية الانشقاق المسكوني الأول عام 451 م في مجمع خلقدونية ؛ واخيرا فهو يمثل بداية حقبة الاضطهاد من الكنيسة الملكانية ضد الكنيسة الأرثوذكسية الذي استمر حتى الفتح العربي لمصر عام 641 م ؛ وفي هذا المقال سوف نعرض لحياته وكفاحه ضد أصحاب الطبيعيتين

حياته ونشأته الأولى :-
تاريخ ميلاده غير معروف علي وجه الدقة ؛غير انه من المعروف عنه ولد في مدينة الإسكندرية وتلقي تعليمه الأول في مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ؛كما عمل شماسا وسكرتيرا خصوصيا للبابا كيرلس الكبير وقيل انه كان حاضرا معه مجمع افسس المسكوني عام 431 ؛ وعندما تنيح البابا كيرلس الكبير عام 444 م اجمع الشعب كله علي اختيار القديس ديوسقوروس خلفا له ليصبح هو البطريرك رقم 25 من سلسلة بطاركة الكنيسة القبطية

أعماله الأولى في البطريركية :-
ما أن تمت رسامة البابا ديوسقورس حتى قام بإرسال رسالة فصحية إلى جميع أساقفة العالم


ظهور اوطاخي :-
في هذه الأثناء ظهر رئيس دير في القسطنطينية يدعي "اوطاخي" وكان هذا الراهب شديد الغيرة ضد البدعة النسطورية التي قسمت السيد المسيح إلى اثنين ؛ فتحمس في الدفاع عن الطبيعة الواحدة إلى الحد الذي دفعه إلى السقوط في بدعة مضادة وهي أن السيد المسيح كان له طبيعة واحدة هي الطبيعة اللاهوتية ؛ أما الطبيعة الناسوتية فلقد ذابت في الطبيعة اللاهوتية كما تذوب نقطة الخل في المحيط ؛ فآمر بطريرك القسطنطينية ويدعي "فلابيانوس " وكان ذو ميول نسطورية بعقد مجمع مكاني في مدينة القسطنطينية تم فيه حرم اوطاخي وتجريده من رهبنته

+ تظلم اوطاخي من هذا الحرم ورفع مذكرة إلى الإمبراطور ثيودسيوس الصغير والي أسقف روما ويدعي "لاون"

مجمع افسس الثاني عام 449 :-
+طالب الإمبراطور ثيودسيوس الصغير بعقد مجمع مسكوني في عام 449 في مدينة افسس عرف في التاريخ بمجمع افسس الثاني وطلب من القديس ديوسقوروس رئاسة جلسات المجمع

+انعقد المجمع في يوم 8 /8 /449 م برئاسة البابا ديوسقوروس وحضره حوالي 130 أسقفا من جميع أنحاء العالم ؛ ولم يحضره أسقف روما وانما أرسل مندوبين عنه ؛ ونودي علي اوطاخي لحضور جلسات المجمع واعلان إيمانه ؛ ولما كان اوطاخي يتميز بالمكر والدهاء الشديد فلقد أعلن إيمانه بقوانين المجامع المسكونية الثلاثة ؛ وانه ثابت علي إيمان القديس اثناسيوس الرسولي والقديس كيرلس الكبير ؛فاصدر أباء المجمع حكما بتبرئة اوطاخي وإدانة فلابيانوس لانه كان ذو ميول نسطورية فصادق الإمبراطور ثيودسيوس الصغير علي الحكم وامر بنفي فلابيانوس

+تظلم فلابيانوس من الحكم واستعان بنصيره لاون أسقف روما الذي رفع الأمر إلى إمبراطور الغرب فقام بالتوسط لدي الإمبراطور ثيودسيوس الصغير وطلب عقد مجمع آخر لتبرئة فلابيانوس ولكن الإمبراطور ثيودوسيوس رفض هذا الطلب

+في هذه الأثناء لم يخلف الإمبراطور ثيودسيوس الصغير ولدا لوراثته علي العرش فأشارت عليه أخته وتدعي بولكاريا بالزواج من أخرى ؛ فارسل الإمبراطور رسولا إلى الأنبا يوأنس قمص برية شيهيت يستأذن منه في السماح له بالزواج من أخرى ؛ فرد عليه القمص يوانس بالرفض وقال له ( لا تحفل بهذه النصيحة الجوفاء لان الله لن يهبك ولدا حتى ولو تزوجت من عشر نساء ) وفي هذه الأثناء هجم البربر علي الدير فصرخ الأنبا يوأنس في الرهبان قائلا (أن البربر يهاجموننا فمن خاف فليهرب ومن شاء أن يحظي بإكليل الشهادة فليبق ) فبقي 48 شيخا من شيوخ برية شيهيت معه ؛ فلما عاد الرسول إلى القسطنطينية وروي القصة للإمبراطور آمر ببناء كنيسة علي اسم ال49 شيخا من شيوخ برية شيهيت

+ كانت أخت الإمبراطور بولكاريا قد نذرت البتولية ليس حبا في البتولية ولكن لكي لا يذهب عرش الإمبراطورية إلى رجل آخر من خارج أخيها ؛ ويقال أنها أقنعت أختيها الاخريتين باقتفاء آثرها وعاش الثلاث أخوات في القصر الإمبراطور في جناح عرف بـ"جناح الملكات العذاري"

+توفي الإمبراطور ثيودسيوس الصغير عام 450 م دون أن يخلف ولدا فخلعت أخته بولكاريا نذر البتولية وتزوجت من قائد الجيوش ويدعي مركيانوس ورفعته إلى مرتبة الإمبراطور وقام البابا لاون بإعطاء الإمبراطورة الحل والبركة لكسر هذا النذر بينما رفض بقية الأساقفة إعطائها هذا الحل ؛فكررلاون الطلب بعقد مجمع مسكوني لتبرئة فلابيانوس وإدانة ديوسقوروس.

انعقاد مجمع خلقدونية عام 451 م :-
+انعقدت الجلسة الأولى في مجمع خلقدونية يوم 8/10 /451 م واستمر المجمع في الانعقاد حتى 1 /11 /451 م ؛ولم يتفق المؤرخون لا علي عدد الحاضرين ولا علي عدد جلسات المجمع غير انهما اتفقا علي حضور الإمبراطور والإمبراطورة وجلس البابا ديوسقورس علي يمين الإمبراطور تكريما لكرسي الإسكندرية ؛كما يذكر التاريخ الكنسي حضور القديس مكاريوس أسقف ادكو حيث كان من ضمن الوفد القبطي المصاحب للبابا ديوسقورس

+ اعترض مندوب أسقف روما علي جلوس البابا ديوسقورس علي يمين الإمبراطور بحجة انه جاء ليحاسب عما فعله في مجمع افسس . فسأله أحد الحضور "وماذا فعل في افسس؟ " فرد المندوب انه دعا إلى مجمع مسكوني دون أذن أسقف روما . فرد عليه البابا ديوسقورس انه لم يعقد المجمع من تلقاء نفسه وانما بناء علي دعوة الإمبراطور

+جاء الاعتراض الثاني انه وقع حكم علي أسقف القسطنطينية دون وجه حق فطلب البابا ديسقوروس قراءة محاضر المجمع وقال لهم نحن لم ننفرد بالحكم وانما وقع معنا الأساقفة الشرقيون أيضا


+هنا صرخ الأساقفة الشرقيون "أننا لم نوقع علي هذا الحكم ألا مرغمين تحت الضغط والإكراه "فرد عليهم أساقفة الإسكندرية قائلين" أن جندي المسيح لا يرهب قوة السلطان ولا يتراجع غير الجبان ؛هيا وقدوا لنا النار لنريكم كيف يموت الشهداء" ثم قال البابا ديوسقورس في هدؤ واتزان"كان الأليق بكم أن ترفضوا التوقيع علي ما لا تعرفون لان قراركم يتعلق بجلال الإيمان"

+جاء الاتهام الثالث الموجه إلى البابا ديوسقورس انه رفض السماح بقراءة طومس لاون أثناء انعقاد المجمع فرد البابا ديوسقورس "لقد أمرت بقراءة الطومس مرتين لا مرة واحدة " فقالوا "لماذا أذن لم تقرأ ؟ " فاجاب "أسالوا أسقف أورشليم وإنطاكية "فاجاب الأسقفين "لما أمر البابا ديوسقورس بقراءة الرسالة قال رئيس الكتبة انه لا تزال عندي رسائل إمبراطورية أخرى يجب قراءتها أولا "

+عندما رأت الإمبراطورة بولكاريا جرأة ديوسقورس وشجاعته قالت له (اسمع ياديوسقورس كان في زمان والدتي إنسان عنيد مثلك "تقصد القديس يوحنا ذهبي الفم" وأنت تعلم ماذا جري له نتيجة عناده ومخالفته واري حالك سوف يكون مثله) فرد عليها القديس ديوسقورس(وأنت تعرفين ماذا جري لامك نتيجة اضطهادها لهذا القديس وكيف مرضت مرضا لم يجد معه علاجا لها حتى مضت إلى قبر القديس وبكت واستغفرت وحملت جسده وجاءت به بكرامة عظيمة إلى القسطنطينية فتحنن عليها وشفاها . وهاأنذا بين يديك فافعلي ما تريدين وستربحين ما ربحته أمك ) فثارت ثائرة الإمبراطورة ولطمته لطمة قوية اقتلعت فيها ضرسين نظرا لشيخوخته ؛ وقام رجال القصر الإمبراطوري و أوسعوه ضربا وركلا ونتفوا شعر ذقنه وهو في كل ذلك يردد الآية التي تقول (من أجلك نمات كل النهار) ثم جمع القديس الضرسين وبقايا شعر لحيته أرسلهم إلى شعبه في الإسكندرية قائلا لهم "هذه ثمرة جهادي لاجل الإيمان ""
+عقد المجمع جلسة سرية وسريعة دون حضور ديوسقورس إذ وضعوا حرسا علي باب بيته ليمنعوه من الحضور وعندما طالب بعض أعضاء المجمع حضوره حمل إليهم الرد قائلا "أن الحراس يمنعوني من الخروج " وكرروا الدعوة ثلاث مرات فلما لم يحضر اصدروا حكمهم بحرم ديوسقورس . وبعد الحرم طالبوه بالتوقيع علي طومس لاون فقال عبارته الشهيرة (لو قطعوا يدي وسال دمي علي القرطاس فلن أوقع) وبالفعل صدق الإمبراطور علي الحكم ونفي القديس إلى جزيرة غاغرا

في جزيرة غاغرا :-
+ أراد القديس مكاريوس أسقف ادكو مصاحبة القديس ديوسقورس في نفيه ولكن القديس قال له عد إلى مصر فإكليل الشهادة في انتظارك ؛وفي غاغرا كان معظم سكان هذه الجزيرة من الوثنيين والمسيحيون فيها كانوا نساطرة فقام بالوعظ والتبشير بينهم وشفاء المرضي منهم ؛كما زاره في منفاه تاجر مصري فبكي عندما شاهد باباه هكذا فقال له معلمنا القديس ديوسقورس "يابني ما دمنا نحفظ الإيمان الذي سلمه لنا آباؤنا فنحن في خير رغم الضيقات والاضطهادات " فسلمه التاجر مبلغا من المال وقال له انت في غربة وحتما ستحتاج المال فرد عليه القديس "يابني نحن لسنا في بلاد غربة فالله الذي خلق السماوات والأرض هو خلقنا وللرب الأرض وملؤها " فالح عليه التاجر لقبول المال فقبله تحت ضغط ولكنه قام بتوزيعه علي فقراء ومساكين الجزيرة ؛وبقي القديس في الجزيرة 5 سنوات منفيا حتى تنيح بسلام في يوم 7 توت من عام 454 م صلواته فلتكن معنا .

.نماذج من كتابات القديس ديسقوروس
لم يترك لنا التاريخ من كتابات القديس ديسقوروس سوي أربع رسائل إيمانية ولكنها ثمينة جدا ؛ الاثنتان الأوليان كتبهما إلي دومنينوس رئيس أساقفة أنطاكية ؛والرسالتان الباقيتان كتبهما من منفاه في جزيرة غنغرا ؛ وهذه الرسائل الأربع تصور جلال الإيمان الذي دافع عنه طول حياته ؛ففي الرسالة التي بعثها إلي الرهبان من منفاه قال فيها:-ــ

( أنني أعرفه أنه ولد من الآب إلها ؛وولد من مريم إنسانا ؛ أنظره خالقا لملائكة السماء كإله ؛ كما أنظره ينام في السفينة كإنسان وهو بعينه يمشي علي الماء كإله ؛ يجوع كإنسان ويقيت ويشبع كإله ؛ أنظره يرجمه اليهود كإنسان وهو بعينه يعبده الملائكة كإله ؛يجرب كإنسان ؛ويطرد الشياطين كإله ؛ أعترف به واحدا ؛وهو بذاته رب ومخلص ولكن صار بعطفه إنسانا ؛فتمسكوا بإيمان الآباء ولا تلتفتوا إلي تعاليم المنحرفين فأنها مفسدة للنفوس ؛ ولا للذين يقسمون الواحد إلي اثنين ؛ أن مخلصنا واحد كما قلت ولكن صار برحمته إنسانا ؛هذا هو الإله الحق ؛ واحد هو الرب يسوع المسيح من الأزل وإلي دهر الداهرين ؛واما الذين لا يعترفون بأن الكلمة الإله أنه وهو طبيعة الآب وصار في أخر الأيام إنسانا ولم يتغير من أجل خلاصنا ؛وأنه صار أبن طبيعة الإنسان مع بقائه كما كان في مجد لاهوته ؛أن هؤلاء أعتبروهم غرباء عن رجاء المسيحين ) .