البابا غبريال بن تريك (1131- 1145 )
البطريرك رقم 70

 بقلم/ماجد كامل
حياته :_

هو سليل أسرة عريقة ؛قيل أن والده كان قسيسا وترمل ؛ أسمه قبل رسامته بطريركا هو " أبا العلاء صاعد بن سعيد بن تريك" . ولد حوالي عام 1084 ؛ وقام والده الكاهن بتربيته تربية صالحة حتي صار عالما مقتدرا في الكتب المقدسة ؛كما كان عالما في اللغتين العربية والقبطية ؛كما كان ناسخا ماهرا قام بنسخ العديد من الكتب بخط يده ؛عمل موظفا في الدولة كابيه ؛ في عهد الوزير أحمد بن الافضل حفيد بدر الجمالي في خلافة الأمام الحافظ لدين الله الفاطمي ؛كما كان شماسا في نفس الوقت في كنيسة الشهيد العظيم ابو سيفين بمصر القديمة ؛ ولقد صار بطريركا وهو يبلغ من العمر 47 سنة ؛وكان ذلك في 5 ابريل 1131 (بعض المراجع الأخري ذكرت 3 فبراير 1131 .

وكان من باكور عمله كبطريرك هو زيارته لدير أبو مقار ؛وأثناء صلاة الاعتراف الأخير ؛قام بإضافة عبارة " وجعله واحد مع لاهوته " فثار عليه رهبان الدير وقالوا له انك بذلك توقعنا في بدعة أوطاخي ؛ فقال انه سوف يستشير آباء المجمع المقدس في ذلك الأمر ؛فقالوا له لو أردت إضافة هذه العبارة ؛فأضف عليها عبارة "بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير " . ومن هذه الواقعة نلاحظ ثلاثة امور هامة :-

1- الأمر الأول المعرفة اللاهوتية الواسعة الموجودة عند رهبان دير أبو مقار .

2- الأمر الثاني الشجاعة الأدبية في مراجعة الأب البطريرك ؛ومواجهته بالأمر عندما يتعلق بالتعليم اللاهوتي .

3- الامر الثالث هو الرجوع إلي آباء المجمع المقدس وعدم الانفراد بالرأي وحده .

ولقد قام في عهده بالعديد والعديد من الاصلاحات الادارية نذكر منها :-
1- إلغاء عادة دفن الموتي في الكنائس ؛ ولما لم ترضخ كنيسة حارة الروم لهذا الأمر امر بإغلاقها إلي حين تنفيذ الأمر . كما أمر بنقل جسد سلفه الأنبا مقار من كنيسة المعلقة إلي دير القديس أبو مقار تنفيذا لهذا الأمر .

2- منع الكهنة من عادة شرب الخمر .

3- كان في عهد يميزون بين الكهنة المرسومين من البطريرك والكهنة المرسومين من بقية الاساقفة ؛فأمر بالمساواة الكاملة بين جميع الكهن دون تمييز .

4- من انجازاته أيضا منع عادة الشعوذة والتنجيم المنتشرة بين الأقباط ؛وكتب كتابا في ذلك يمنع هذا العادة الرديئة .

5- منع عادة التسري المنتشرة بين أغنياء الأقباط في ذلك الوقت .

6- أمر بمنع خروج جسد الشهيد يحنس السنهوتي ؛وطرح جزء من جسده في النهر ؛حيث كان يصاحبه بعض ألعاب الللهو الغير البريء .

7- كان المطران القبطي للحبشة يعاونه سبعة أساقفة مساعدين ؛ فطلب المطران بالتعاون مع ملك الحبشة علي زيادة عدد الاساقفة ؛فرفض البابا خوفا من طلب الكنيسة الحبشية يوما الانفصال عن الكنيسة القبطية .

8- حرص علي ذكر أسم بطريرك انطاكية علي المذبح أثناء القداسات ؛ حرصا علي العلاقات التاريخية بين الكنيستين .

ولقد تنيح في أسبوع البصخة في 6 أبريل 1145 م (وبذلك يكون قد جلس علي كرسي مارمرقس 14 سنة وشهران ويومان من 3 فبراير 1131 إلي5 أبريل 1145 م) ودفن جسده الطاهر في كنيسة أبو سيفين بمصر القديمة ؛ومازال جسده محفوظا بها حتي الان .

القوانين المنسوبة اليه :-

وضع البابا غبريال بن تريك مجموعة من القوانين مكونة من ثلاثة كتب هي :-

1- الكتاب الأول يتكون من 32 قانونا ؛يختص بتنظيم أمور الكنيسة وعلاقة الشعب بها دينيا ومدنيا .
2- الكتاب الثاني يختص بتنظيم أمور الاكليروس
3- الكتاب الثالث يختص بالمواريث .

ولعل اهم ما في هذه القوانين أمرين في منتهي الأهمية :-
1- الأمر الأول هو إعادة ترتيب طقس أسبوع الآلام طبقا للنظام الحالي المتبع حاليا .
2- الأمر الثاني هو السماح بتلاوة صلوات القداس باللغة العربية بعد تلاوتها أولا باللغة القبطية.

البابا غبريال بن تريك أول بطريرك يسمح بصلاة القداس باللغة العربية
يذكر التاريخ أنه في عصر البابا غبريال بن تريك البطريرك السبعون (1131- 1146 ) أصدر قرارا بالسماح بقراءة الأناجيل والمواعظ باللغة العربية بعد تلاوتها أصلا باللغة القبطية ؛ولقد جاء هذا القرار في القانون الثالث من مجموعة القوانين التي سنها وهذا نصه "يجب علي كل أسقف منكم أيها الأساقفة ؛أن يعلم الشعب الذي يرعاه ؛وليلزمهم بحفظ الصلوات التي علمها السيد المسيح لتلاميذه .... باللسان الذي يعرفه ويفهمه ليصلي به في الصلاة ؛فلا يهذي بما لا يعلمه . ومن قدر علي أكثر من ذلك فله أجره " . ولقد كان الدافع الرئيسي له لإتخاذ هذا القرار هو شعوره بقلة عدد القادرين علي متابعة الصلاة باللغة القبطية داخل الكنائس ؛ فلقد ضعف الاهتمام باللغة القبطية تدريجيا في مصر بعد صدور قرار تعريب الدواوين في عهد الوالي عبدالله بن عبد الملك بن مروان ؛وكان ذلك عام 607م ؛فلقد ترتب علي هذا القرار مسارعة الأقباط إلي تعلم اللغة العربية للاحتفاظ بوظائفهم في الدواوين . أيضا من العوامل التي ساعدت علي ضعف استخدام اللغة القبطية الأوامر المشددة التي أصدرها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله( 996- 1021 ) بمنع التحدث باللغة القبطية نهائيا حتي في المنازل والطرقات العامة ؛وضيق أكثر من ذلك بقطع لسان كل سيدة تتكلم بها مع أولادها وأطفالها كما ذكر ذلك بعض المؤرخين . ويذكر القس شنودة ماهر في كتابه "تراث الأدب القبطي " بعض العوامل الأخري – بالإضافة إلي العوامل السابقة – التي ساعدت علي اضمحلال اللغة الاقبطية نذكر منها تزايد عدد الذين دخلوا في الإسلام ؛وتركهم بالتبعية عند دخولهم إلي الدين الجديد اللغة القبطية ؛كذلك اضمحلال المؤسسات الرهبانية التي كانت معقلا هاما للتراث القبطي . ولكن الأمر المؤكد أن اضمحلال اللغة القبطية لم يحدث فجأة ؛ وأنما تم تدريجيا وعلي مراحل ؛ففي سيرة البابا خائيل الأول البطريرك ال46 (743- 767م ) نجده يكتب إلي السلطات باللغة القبطية ؛ ويرفق بكتابته ترجمة عربية ؛وعندما وقف أمام الخليفة مروان بن عبد الحكم ؛كان الحديث بينهما يتم من خلال مترجم . وفي سيرة البابا يوساب البطريرك ال 52 (830- 849 ) نقرأ أنه كان يخاطب الأساقفة المشتكين ضده أمام القاضي باللغة القبطية . ويذكر المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار " ضمن حديثه عن بعض الأديرة القبطية فيقول "والأغلب علي نصاري هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي وهو أصل اللغة القبطية ؛ وبعدها اللغة القبطية البحيرية . ونساء نصاري الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا بالقبطية الصعيدية ". كما زار مصر سائح فرنسي في أيام الملك لويس الرابع عشر (1643- -1715 )وقال أنه وجد كاهن قبطي يجيد التحدث باللغة القبطية ؛كما وجد أمرأة عجوز أيضا تنازعه نفس الامتياز .

كما ذكر الرحالة الألماني فانسليب ( 1635- 1769 ) عندما زار مدينة أسيوط خلال عام 1678 ؛أنه تقابل مع رجل عجوز تجاوز الثمانين من عمره يدعي المعلم أثناسيوس ؛وهو الشخص الوحيد الذي كان يجيد التكلم باللغة القبطية ؛غير أنه كان يعاني من ضعف السمع .

ولقد ذكر العالم الفرنسي جاستون ماسبيرو (1846- 1916 ) في محاضرة هامة له بعنوان "صلة المصريين الأقدمين بالمصريين الحاليين " ألقاها في نادي رمسيس في 19 /11/1908 قال فيها " ولكن من المؤكد أن سكان صعيد مصر كانوا يتكلمون ويكتبون باللغة القبطية حتي السنين الأولي من القرن السادس عشر في أوائل حكم الأتراك ؛ويؤخذ من بقايا كتابات ذلك العصر أن العنصر القبطي كان لم يزل قويا محترم الجانب في تلك الأنحاء " .

ولقد ذكر جاك تاجر في كتابه "أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي إلي عام 1922 " أنه يوجد قنصل يدعي "دي ماييه " كتب يقول "أن الناس في بعض نواحي الصعيد مازالو يتكلمون اللغة القبطية "كما ذكر رحالة يدعي "فورسكال " أنه تعرف علي قبطي أسمه إبراهيم أناش كان متفقها باللغة القبطية . ومن القصص الطريفة التي يرويها جاك تاجر أن بطرس باشا غالي (1846- 1910 ) عندما زار روما وتقابل مع البابا لاون الثالث عشر ( 1878- 1903 ) بابا روما رقم 255 ؛ أن البابا وجه له بعض الأسئلة باللغة القبطية ؛فاضطر بطرس باشا أن يعترف بجهله بهذه اللغة ؛وعندما عاد إلي مصر طلب أن يتعلمها بإصرار .

كذلك أيضا يذكر القس شنودة ماهر أن المرسل الإمريكي دافيد سترانج ذكر رجلا عجوزا من قوص يدعي جام إستفانوس ذكر أنه كان يسمع والديه وآخرين قليلين من كبار السن في قوص ونقادة كانوا يتحدثون مع بعضهم البعض باللغة القبطية . كذلك أيضا ذكر بروفيسر ورل أستاذ اللغة القبطية بجامعة ميتشيجان أنه سمع من قدامي الشيوخ في فرشوط أنهم حتي قرب نهاية القرن التاسع عشر كان التحدث باللغة القبطية كان تقليدا عائليا متوارثا في عائلات القسوس بما في ذلك النساء .كما ذكر القس شنوةد ماهر قرية الزينية التابعة لمحافظة الأقصر ؛فلقد زارها البروفييسر ورل ليجري أبحاثا في تلك القرية في عام 1936- 1937 . وتقابل مع العديد من العائلات التي مازالت تتكلم باللغة القبطية حتي ذلك الوقت .

ومهما يكن من أمر ؛فأنه لا يزال يوجد مصدران رئيسيان يستخدمان اللغة القبطية ؛المصدر الأول هو الصلوات في الكنيسة القبطية ؛أما المصدر الثاني فهو الألفاظ العامية التي دخلت إلي اللغة العربية والتي لها جذور قبطية مثل (شونة ؛أردب ؛برسيم؛ شادوف ؛ شبرا ؛دمنهور ؛ منفلوط ؛أوطة ؛ يم ؛ تمساح