قلم: نبيل صموئيل

ماذا ننتظر من إجيال مرت خلال العقود الخمس الماضيه وأكثر كانت ومازالت فريسه نهج فكري سلفي وهَابي رجعي ينظر للمرأه  بإعتبارها سلعه للتملك وتحقيقا لشهواتهم ونزواتهم وسطوتهم، وأصبح الدين بالنسبه للغالبيه وفي كل الاديان مجرد ممارسهً للشعائر والطقوس الدينيه فقط وإزدحاما لأماكن العباده وفي الشوارع للصلاه.
 
وسجاده صلاه في كل المكاتب والبيوت، وكتب مقدسه علي كل مكتب وفي كل منزل، وملأت الآيات المقدسه المكاتب والبيوت، وإنتشر الوعاظ في جميع وسائل الإعلام بل وصلنا في بعض الأوقات والقنوات من يجلس يوميا وأمامه حشد كبير مشدودين ومؤيدين لكل ما يقال، فصنع منهم قطيعا وأدواتً لنشر الفكر السلفي الوهاب، وأصبح بإنتشار  لهذا الفكر رموزا في الملبس والمأكل وطريقه التحيه وغير ذلك من الرموز الشكليه للتمييز المباشر بين التابعين له وغير التابعين. حتي أننا نري بنات معظم المدارس الإبتدائيه والحضانات يرتدين الحجاب وكأنه مفروض عليهن،  وكأننا نفرض علي البنت منذ نعومه أظفارها أنها عوره شعرا وصوتا الي غير ذلك، وهي صوره لم تكن أبدًا موجوده في الاربعينيات والخمسينيات والستينيات، بل هي وافده علينا من البدويه.
 
وفي نفس الوقت وعبر هذه العقود إنتشرت كل المفاسد المعلن منها والمخفي من رشوه ومحسوبيه وسرقه ونهب وتعدي علي أموال وأراضي  الغير وممتلكات الدوله وهتك للأعراض والإغتصاب حتي وصل بنا الأمر أننا نسمع الآن عن اغتصاب الأب لبناته، 
 
وفي إطار ذلك وفي امور أخري بدءاً بتحويل الارصفه إغتصابا واستباحه والتي هي أساسا مخصصه للمشاه ولكن بوضع اليد تجد المقاهي والمطاعم وغيرها تفترش هذه الارصفه بل وتتعداها الي منتصف الشوارع وطبعا توصيل الكهرباء سرقه من العمومي الي غير ذلك، 
 
والي جانب المصائب الكبري في الإستيلاء علي الاراضي وبناء مبانٍ وأبراج مخالفه في أنحاء مصرنا، وفي هذا نري الدوله الآن تقنن هذه الاوضاع ومضطره لهدم مباني ضخمه، ويمكن ان تري اصحاب هذه المخالفات الكبري من المداومين علي الصلاه في المعابد، فهذه نقره وتلك نقره اخري.
 
والغريب أن الاتجاهين الفكر الوهابي السلفي والفساد المستشري كانا ومازالا يسيران في خطوط متوازيه ودون تلاقي، ولا أنسي مشاهد مسئولي الدوله الذين ضُبطوا في وقائع فساد ونهب ورشاوي ضخمه أن مكاتبهم كانت ممتلئه بمظاهر التقوي وممارسه الشعائر بما في ذلك السبحه في اليد دائما.
 
خمسه عقود ماضيه عاشت فيها هذه الإجيال نظما تعليميه فاشله إعتمدت علي الحفظ والترديد والنقل ودون إعمالٍ للعقل بالتفكير والبحث وتربيه العقل النقدي والتربيه علي القيم الإنسانيه حتي ان هذه النظم الفاشله رصدت جوائز ومكافآت للحفظة ويتم نشرهم إعلاميا، وأنشأت مدارس للمتفوقين الذي غالبيتهم يعتمد علي الحفظ والترديد والنقل، وللأسف مازلنا نمارس ذلك رغم تشدقنا بالتطوير،
 
نظما تعليميه فقدت تماما النهج التربوي، وفقدت تماما تعليم القيم الإنسانيه، بل لعلها ساهمت بدرجه كبيره في نقل الفكر السلفي الوهابي في ثقافتنا المصريه من خلال مدرسي هذه الانظمه التي كانت ولا تزال ضمن الحشود السلفيه الوهابيه والتي عادت من الخليج إبان السبيعنيات والثمانينيات من القرن الماضي.
 
أجيالا عاشت نظما إقتصاديه غير مدروسه أو مقننه منذ عصر الإنفتاح فانتشرت الفهلوية واللعب بالبيضه والحجر، (وإحنا إلي دهنا الهوا دوكو) وتحقيق المكاسب الطائله من مشروعات ريعيه وهميه كالريان وغيرها وغيرها، ويبرز في هذه الأنظمه الإقتصاديه الوهميه وفجاه ودون سابق إنذار او رصيد من العمل الجاد المنتج ملوكا لسلع اساسيه كالحديد وخلافه. 
أنظمه إقتصاديه عشعش فيها الفساد والنهب والسرقه والكسب غير المشروع وترعرت وأصبحت هذه إمبراطوريات إقتصاديه كبري تمتلك اراضي ومنتجعات وجامعات ووسائل إعلام وخلافه. ومازال بعض هؤلاء يمثلون قوي إقتصاديه ضخمه وهم شخصيات عامه في المجتمع!
 
أجيالا خمسه تربت وترعرت في هذا المناخ الفاسد، وغاب في  ظل ذلك مسئوليه الاسره تماما عن التربيه والتقويم، بل علي العكس نري كثيرا من الأباء يتركون أبناءهم للغش ودون توجيه أو محاسبه فالمهم لدي الاسر النجاح بأيه وسيله، ويقع أبناء هؤلاء الذين لديهم أموالا طائله في جرائم كبري للإغتصاب الجماعي وغيرها وغيرها كما نسمع الآن عن هذه الجرائم الكبري والتي تحقق فيها النيابه العامه،
 
إننا بالفعل في حاجه ماسه لإعادة النظر في امور غايه في الخطوره والتي تظهر نتائجها الآن في ظاهره التحرش وهتك العرض والاستباحة لأي شئ يمكن إقتناصه بالقوه أو بغيرها، فهذا ليس إلا مظهرا من مظاهر الامراض الاجتماعيه الخطيره بسبب كل ماسبق،
 
نحتاج لفكر ديني جديد تتوازن فيه العبادات والمعاملات، تتوازن فيه النظره لأنفسنا وللآخرين المختلفين عنا اننا جميعا رجالا ونساءً ومن اديان ومذاهب مختلفه كلنا بشر متساوىٍ في الخلق، ومواطنين لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات، فكر ديني لا يركز علي مظاهر العباده وممارساتها وطقوسها الشكليه إنما علي الجوهر الداخلي والنقاوة والإبتعاد عن الممارسات الرزيله الممجوجة،
 
ونحتاج لنهج تعليمي تربوي جديد لا يعتمد فقط علي تكنولوچيا التعلم فهذه إحدي وسائله، بل نهج تعليمي تربوي لبناء إنساني قيمي يتفق والحضاره والقيم الإنسانيه، ويكون فيه المعلم السوي الكفء المحور والركيزه الاساسيه في عمليه النهج التربوي الجديد، 
 
وأما فيما يخص البعد الإقتصادي للمجتمع فهناك خطوات أرجو أن يتم لها التوفيق لإعاده بناء عمليات التصنيع المختلفه والتي كانت تشتهر مصر سابقا ومنها ما يرتبط بالصناعات القائمه علي الزراعه وغيرها، والحد من تلك التي تعتمد علي الريعية المؤقته، وترتبط المشروعات الجديده بإعلاء قيمه العمل والانتاج، وبتوفير فرص عمل للشباب، وبالإنتشار خاصه في المناطق المهمشة والمحرومة في صعيد مصر.
 
وكم نحتاج لثوره إعلاميه تتبني كل هذه التوجهات الجديده وتعمل علي نشرها والتأكيد عليها وخاصه القيم الإنسانيه ورائها، ثوره إعلاميه حقيقيه تبتعد عن التهويل ومجرد التصفيق والمبالغات بل تتعمق فيما يحدث علي الأرض ونتائجه ودور المواطنين فيه، والقيم الإنسانيه التي تحتويها، ونحتاج إعلاميين جدد حقيقيين.
 
وهل ننتظر من مؤسساتنا الثقافيه أن تدرك خطوره من نحن عليه وتلعب أدوارًا أكثر فاعليه وتاثيرا نحو بناء مجتمعا جديدا يقوم علي العقل والتنوير والاستنارة والعمل الجاد والمشاركه الفاعله. 
 
وهل يمكن للمثقفين الكُثر في مصرنا ان تدخل معارك التنوير  والتجديد والبناء الفكري والثقافي للمجتمع ككل، بدلا من الصمت والسكوت، وأحيانا التجاوز من البعض بكتابات تسخر من حركه المجتمع ضد بعض القضايا كالتحرش وهتك العرض.
 
ومن خلال ذلك كله سنستطيع أن نهيأ تربه جديده ومناخا جديدا لأجيال تكون متمسكه بالقيم الإنسانيه قادره علي العمل والابتكار بفكر نقدي متسع بناء. 
وهو ما يحتاج أن تتضافر فيه كل الجهود رسميه وأهليه ولعقود قادمه وبرؤيه وبخطط واضحه بشراكه الجميع.