أكرم القصاص
قضية مخالفات البناء، تحولت إلى مجال للمزايدة والادعاء والكثير من الجدل، تتداخل فيه الخيوط، وتختلط الأوراق بشكل يحول الباطل إلى حق، ومجال للكثير من المزايدات والادعاءات، وفخاخ سقط فيها بعض رواد مواقع التواصل، ممن اعتادوا التحليل بناء على صور أو أرقام أو أخبار قبل التأكد من صحتها.
 
وبدلا من المزايدة ربما تكون هناك حاجة لمناقشة موسعة تراعى مصالح كل الأطراف، خاصة الأطراف الضعيفة، بعيدا عن مصالح حيتان البناء المخالف وتجار الأزمات.
 
معروف أن 90% على الأقل من مخالفات البناء ارتكبها مقاولون ومليارديرات حققوا ثراءً من الاتجار فى البناء المخالف، لكن بقدرة قادر تم اختصار الموضوع كله فى هدم منازل الفقراء، بل تم نشر صور لمنازل مهدمة، فى وقت لم يتم هدم منازل أو عمارات إلا التى بنيت فى الشهور الأخيرة بعد إقرار القانون.
 
اللافت للنظر أيضا أن كل الخبراء النشطاء على مواقع التواصل ممن كانوا يطالبون ليل نهار بتطبيق القانون ومواجهة عمليات اغتيال الأراضى الزراعية وأراضى الدولة، تحولوا فجأة إلى مدافعين عن المخالفات، بل إن بعضهم يعيد نشر صور هدم من دون أن يكلف نفسه التأكد من صحتها. والحجة هى ليس وقته، ويتجاهلون آلاف العمارات والأبراج التى قامت بالمخالفة لكل قانون، وعلى أراضى الدولة أو تجاوزت الارتفاعات المقررة بعشرات الأدوار، بل إن بعض المتصالحين سددوا عشرات الملايين، وفى كل حى بالقاهرة أو الإسكندرية هناك ما بين خمسة إلى عشرة أفراد بنوا عشرات الأبراج وبمساعدة الإدارات الهندسية، ويفترض أن يطالب الناس بمحاسبة هؤلاء الذين منحوا التراخيص أو تواطأوا لتمرير المخالفات. وهؤلاء معروفون بالاسم وثرواتهم غير المشروعة قائمة، هناك عشرات من رؤساء المدن والأحياء ومئات المقاولين وتجار المخالفات كونوا عشرات المليارات من البناء المخالف، وهم من يفترض أن يطاردهم القانون ليستعيد حق الدولة منهم. لكن المفارقة أن هؤلاء هم من حركوا حملات تزعم الدفاع عن مصالح الفقراء بينما الهدف هو الدفاع عن المفسدين المحترفين.
 
هناك أكثر من رئيس حى سقط برشوة أو فساد خلال السنوات الأخيرة، وعشرات ومئات الفاسدين والمرتشين نجوا حتى الآن ويفترض أن يدفعوا ثمن الخراب الذى صنعوه، حتى يمكن أن يكون هناك عدالة فى تطبيق القانون، استنادا إلى مسؤولية الأحياء والمدن، وهذا كله يتعلق بالماضى القريب أو البعيد. والجانب الآخر هو ضمان عدم تكرار هذا الفساد فى المستقبل، وهو ما يتطلب سياسة كاملة تتضمن قواعد البناء من جهة، وتوفر بدائل مناسبة خاصة فى المحافظات التى ليس لها ظهير صحراوى.
 
فى وسط الدلتا هناك محافظات فقدت نسبة ضخمة من الأراضى الزراعية، بسبب عدم وجود أى امتدادات أو ظهير، وهذه المحافظات تحتاج إلى حلول توفر بدائل، على سبيل المثال، فإن محافظة الغربية تفقد أراضى زراعية ضخمة لعدم وجود أى ظهير، بينما تجاورها محافظات كفر الشيخ والبحيرة، وهى محافظات لها امتدادات صحراوية، وكانت هناك اقتراحات قديمة لفتح مجالات إضافية وبدائل، يمكن أن تنقذ الدلتا من الاختناق وأرضها من الضياع، خاصة أنها أراض خصبة.
 
القضية أكثر تعقيدا من مجرد إزالة مخالفات، لكنها تتعلق بفوضى اجتاحت البلاد طوال عقود، ويفترض أن تتم مواجهتها بالكثير من الصبر والتخطيط والتفهم.
نقلا عن اليوم السابع