ﭽاكلين جرجس 
احتفل المصريون " الأقباط " بعيد " النيروز " منذ أيام ، و بالرغم من اعتقاد  البعض أنه عيدًا للمسيحيين المصريين فقط ؛ إلا أن التاريخ يشهد أنه فى الأصل عيدًا مميزًا احتفل المصريون القدماء به فى الماضى واطلقو عليه ني- يارؤو بمعنى يوم الأنهار و هو ميعاد اكتمال فيضان نهر النيل، السبب الأول في الحياة لمصر ، و مع شروق يوم 11 سبتمبر من كل عام تبدأ أولى أيام السنة الفرعونية الجديدة ، والنيروز هو اليوم الأول من شهر توت أول شهور السنة المصرية القديمة، فقد ابتكر المصريون القدماء تقويمهم عام  4241 قبل الميلاد، فقد لاحظوا أن هناك ارتباطًا بين وصول الفيضان إلى ذروته عند مدينة منف وشروق نجم ساطع في السماء وأطلق المصريون على هذا النجم اسم سوبديت، واتخذ المصريون من هذا اليوم بداية لسنتهم النجمية التي يبلغ عدد أيامها 365 يومًا مثل السنة الشمسية، وقسموا سنتهم إلى اثني عشر شهرًا كل منها 30 يومًا، وأضافوا لها شهر صغير من خمسة أيام، وعندما تبين للكهنة المصريين بعد ذلك أن السنة تتكون في الحقيقة من 365 يومًا وربع يوم، أضافوا يومًا سادسًا للشهر الصغير مرة كل أربع سنوات.
 
   و على الرغم من إتخاذ هذا العيد طابعًا دنيويًا وخرج من بين الأعياد الدينية العديدة ليتحول إلى عيد شعبي له أفراحه ومباهجه ومعانيه السامية ، إلا أن الإله كان يطلب من الناس أن ينسوا ما بينهم من ضغائن في عيده المقدس، و أن تبدأ السنة بالصفاء، والإخاء، والمودة بين الناس.
 
     أما بعد دخول الرومان مصر و اعتناق بعض المصريين الديانة المسيحية عام 63 م بدأ اضطهاد الرومان لهم إلى أن اصبح الاستشهاد على أشده يوم أن تولى الإمبراطور ( دقلديانوس) الحكم عام 284 م ، و من هنا جاء ارتباط التقويم القبطي بالشهداء المسيحيين ، حيث تم تصفير التقويم المصري القديم في عهده ؛ فكان عام 284 ميلادي هو 1 قبطي وهو عام 4525 بحسب التقويم المصري .
 
وعندما دخل الفرس مصر احتفلوا مع المصريين بعيد رأس السنة وأطلقوا عليه اسم "عيد النيروز" أو "النوروز"، ومعناه باللغة الفارسية "اليوم الجديد" وقد استمر احتفال الأقباط به بعد دخول المسيحية وما زالوا يحتفلون به حتى اليوم كما ظلت مصر تحتفل به كعيد قومي حتى العصر الفاطمي.
 
و حتى يومنا هذا ،حيث ترفع صلوات القداس وتدق أجراس الكنائس لتعلن بدء العام القبطى الجديد، ‏تكريما‏ ‏وتمجيدا‏ ‏لشهداء‏ ‏الكنيسة‏ و ‏ يتم توزيع البلح الأحمر والجوافة فى الكنائس فى هذا العيد، لما له من دلائل حيث أن اللون الأحمر بالبلح يرمز إلى دماء الشهداء الذين استشهدوا بعد تمسكهم بالعقيدة ، أما اللون الأبيض داخله فرمز لقلب الشهيد النقى، وكذلك الجوافة التى يرمز قلبها الأبيض إلى النقاء والصفاء الداخلى.
 
     ويذكر المقريزي الذي عاش في عصر المماليك مظاهر الاحتفال برأس السنة المصرية ، التي يحتفل بها المصريون جميعًا، مسلمون ومسيحيون، كانت الدولة منذ العصر الفاطمي تحتفل على المستوى الرسمي بهذه المناسبة بتوزيع العطايا و الهبات إلى جانب الاحتفالات الشعبية، والتي كانت تأخذ شكل كرنفالًا شعبيًا رائعًا .
 
   أما الأن نحتاج أن نستحضر روح أحداث‏ ‏ثورة‏ ‏سنة‏ 1919‏م‏ التى أفرزت لنا شعار : " الدين لله و الوطن للجميع " و نتذكر معًا طريقة احتفال الشعب المصرى بعيد النيروز خاصة عندما تقرر أن يكون الاحتفال فى تلك السنة احتفالا قوميا دليلًا على الاندماج و المشاركة و التكامل الوطنى بين اطياف الشعب؛ ‏حيث‏ ‏أقيم‏ وقتها ‏العديد‏ ‏من‏ ‏الحفلات‏ ‏في‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الأندية‏ ‏والمسارح‏ ‏العمومية‏ ‏والجمعيات‏ ‏الأهلية، ‏للتأكيد ‏علي‏ ‏وحدة‏ ‏شعب‏ ‏مصر .
 
   فهل  نتلاحم على رأى واحد يجمعنا مرة أخرى كما حدث فى السابق ؟! ؛ هل يمكننا العودة لجذورنا و أصولنا الحقيقية و نُحيى الانتماء إلى هويتنا المصرية الفرعونية القبطية ؛هل نستجيب لتوجيهات ألهة الفراعنة و كل الكتب السماوية و نُنحى خلافاتنا و طغائننا جانبًا ؛ فليصبح عيد‏ ‏النيروز‏ ‏عيدا‏ ‏قوميا‏ ‏لكل‏ ‏المصريين باختلاف انتماءاتهم الدينية وأصولهم العرقية ، و لتعم روح المحبة و المواطنة بين الناس؛ لنضيع الفرصة على كارهى الحياة و الحب و الجمال .