سحر الجعارة
كان يراقب جهاز التنفس الصناعى وهو يعلن فشل جهازه التنفسى الربانى، يتحمل فى صبر الآلام الرهيبة التى تنهش جسده، وهو الطبيب الذى واجه فيروس «كوفيد- 19» اللعين حتى أُصيب بالعدوى.. بآخر ما تبقى فى رئتيه من أنفاس كتب «وصيته» مناجيا الله وحده: (منذ أيام ودعت زميلا لى كان يرقد على بعد خطوات منى وكان قد سبقنى إلى ما أنا ذاهب إليه الآن.. لست والله خائفاً الآن، فأنا أشهد الله بأنى لم أقصر فى أداء الواجب وتحمل الأمانة وأرجو من الله أن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم وأن يجعل عملنا ومرضنا هذا فى ميزان حسناتنا يوم نلقاه.. كل ما أرجو إن بادر بى الأجل وحانت لحظة الفراق أن يتكفل الله برعايته وحفظه أسرتى وأطفالى الذين أفتقدهم بشدة ويعتصر قلبى فراقهم، وصيتى إليك يا الله أطفالى الذين لن أفرح بهم، أستودعك يا الله هؤلاء الأطفال الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بك).. إنه الدكتور «أحمد ماضى» أحد شهداء شباب الأطباء من العاملين فى مستشفيات العزل.

إنه «وجع اليتم» الذى يتجرعه الأطفال وحدهم، ومرارة الفقد والترمل، إنها ثياب الحداد التى اكتست بها بعض منازل أطبائنا الشباب، لتدب الحياة فى بيوت أخرى!.

بحسب بيانات نقابة الأطباء، وصل عدد شهداء «الجيش الأبيض» من الأطباء وطواقم التمريض إلى 160 شهيدا وشهيدة بياناتهم مؤكدة.. مؤكدة بمعنى أنهم أجروا تحليل PCR وكانت النتيجة إيجابية، وجميعنا نعلم أن تحليل PCR كان صعبا، وهناك حالات كثيرة تستشهد بكورونا ولا تستطيع النقابة حتى نعيهم رسميا كشهداء لأنهم توفوا قبل عمل تحليل PCR.

لقد قامت النقابة بصرف 100 ألف جنيه، هذا بخلاف المعاش المنتظم لمن ترك أطفالا أصغرهم 3 شهور.

صحيح أن فيروس كورونا تراجع، وصحيح أيضا أن «التعايش» مع الفيروس لم يترتب عليه كارثة فى مصر، ولكننا نعيش فى حاله سمتها وزيرة الصحة الدكتورة «هالة زايد»: «الأمان الزائف»، وهو ما اضطر الوزارة إلى فتح بعض مستشفيات العزل التى أُغلقت مع انخفاض الإصابات.. وهو ما يدعونى للقول ثانية فى مرحلة التعايش مع كورونا لابد أن نضمن صلابة المنظومة الصحية، وللمرة العاشرة سأقول إن (الطبيب أهم من جهاز التنفس الصناعى)، وإن الكوادر الطبية المؤهلة هى وقود حربنا ضد كورونا.. وإن حماية «الجيش الأبيض» ليست رفاهية ولا تكريماً بل إنها حماية لحياة 100 مليون مواطن نجاتهم معلقة فى رقاب الأطباء.

ولكن ما الذى يمكن تقديمه لشهداء الجيش الأبيض؟.. هل يمكن تطبيق القانون رقم 16 لسنة 2018 الخاص بإصدار قانون إنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودى ومصابى العمليات الحربية والإرهابية والأمنية، وأسرهم على شهداء «الجيش الأبيض»؟.. المادة 1 من القانون توضح أن القانون ينطبق على العسكريين أو المدنيين ضحايا العمليات الإرهابية.. ولرئيس الوزراء الحق فى إضافة فئات أخرى.. وتسرى أحكام القانون المرافق على الشهداء ومن فى حكمهم، وضحايا ومفقودى ومصابى العمليات الحربية والإرهابية والأمنية من ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، وأسرهم، المتمتعين بالجنسية المصرية، ممن استشهدوا أو فقدوا حياتهم أو تم فقدهم أو أصيبوا بعد العمل بالدستور، ويصدر قرار باعتبارهم كذلك وفقا لأحكام القانون المرافق، وبالضوابط والإجراءات الصادرة تطبيقا له. ولمجلس الوزراء لاعتبارات يقدرها إضافة حالات لحوادث أخرى، بناء على عرض الوزير المختص. إذن تكريم أسر شهداء الأطباء وتوفير حياة كريمة لهم ليست مهمة مستحيلة، وهى لا تحتاج إلا قرار من الدكتور «مصطفى مدبولى»، رئيس الوزراء.

يد الله حين تمتد للأيتام والثكالى والأرامل تحتاج لمن يوصل الأمانة.. (سامحنى يا سيف يابنى كان نفسى أدخله أول سنة المدرسة أجيب لبس المدرسة زى اخواته، معلش لو الموت خدنى منك).. هذه كلمات الشهيدة «هدى صلاح»، ممرضة الرعاية المركزة فى معهد القلب، قبل أن يختطفها «كوفيد- 19» من أحضان صغارها.

إنها رسائل إلى الله.. أتمنى أن تلمس قلب رئيس الحكومة قبل عقله، وأن يتولى ضم هذه الأسر إلى القانون 16.
نقلا عن المصرى اليوم